تحليل: ماذا بعد تدليل المجتمع الدولي والإقليمي لمليشيا الحوثي!

تقارير - Monday 19 June 2023 الساعة 08:07 am
المخا، نيوزيمن، خاص:

بعد أكثر من ثماني سنوات على بدء التحالف العربي تدخله العسكري لمساندة الحكومة الشرعية في استعادة السلطة التي انقلبت عليها مليشيا الحوثي، ذراع إيران، في 2014، أصبحت الكثير من الأحداث في هذا المسعى تصب في مصلحة المليشيا الانقلابية.

مرت الحرب خلال السنوات الثماني الماضية بعدة منعطفات كان آخرها توقيع هدنة أبريل 2022 التي تزامنت مع تشكيل مجلس القيادة الرئاسي ونقل كافة الصلاحيات الرئاسية إليه. وسط حالة التفاؤل التي عمت الشارع اليمني بتشكيل مجلس القيادة الرئاسي، كان اليمنيون يعولون على هذا المجلس نقل البلاد من حالة الحرب إلى حالة السلم أو حسم الأمر في مواجهة مليشيا الحوثي عسكرياً وإجبارها على الانخراط في مفاوضات تقود إلى سلام عادل وشامل. لكن مليشيا الحوثي مضت في تعنتها الذي اعتادت عليه منذ ما قبل اندلاع الحرب، حين كان المجتمع الدولي والإقليمي يتساهل مع الجماعة لترغيبها بالانخراط في العملية السياسية التي أعقبت توقيع المبادرة الخليجية.

عندما انقلبت المليشيا الحوثية على السلطة في سبتمبر 2014 وأكملت انقلابها في يناير 2015، اتخذ المجتمع الدولي والإقليمي إجراءات حاسمة لردع الجماعة الغارقة في ظلام الماضي. لم تعقد دول الجوار الخليجي عزمها على التدخل العسكري لردع الجماعة الحوثية من فراغ، فقد تأكد لها، حينها، أن الإفراط في تدليل جماعة مسلحة طائفية كان خطأً فادحاً. آنذاك بدا واضحاً لجميع الدول الراعية للمبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية، أن سلوك الجماعة كان ينزع باتجاه الاستحواذ على السلطة وإقصاء جميع القوى السياسية من الحكم بقوة السلاح. لذلك اتفقت تلك الدول على ضرورة التدخل العسكري لفرملة النزعة الاستحواذية لدى الجماعة. فلماذا، إذاً، عادت هذه الدول إلى تدليل المليشيا من جديد؟

يجمع عديد مراقبين للشأن اليمني أن الحرب الروسية الأوكرانية التي اندلعت في 26 فبراير 2022، أدت إلى تحول دراماتيكي في مسار الحروب الدائرة في المنطقة العربية. وفق هذا المنطق يمكن اعتبار الحرب الروسية الأوكرانية أحد الأسباب التي أدت إلى إنضاج اتفاق هدنة أبريل 2022 في اليمن، وليس بعيداً عن تلك الحرب صمود الهدنة أيضاً لما يقارب سنة ونصف حتى الآن. فدول الغرب التي كانت منشغلة بدعم حلفائها في حروب الشرق الأوسط، أصبحت منشغلة بدعم حليف أكبر وأكثر أهمية بالنسبة لها، هو أوكرانيا. وفي هذا الوضع توحدت مواقف أمريكا وبريطانيا ودول الاتحاد الأوروبي ضد روسيا، بينما وجدت الصين وإيران نفسيهما في صف روسيا، وإن بالموقف السياسي، ضد دول التحالف الدولي الموروث منذ الحرب العالمية الثانية.

في هذا السياق حدث ما يشبه التخلي من قبل أمريكا وبريطانيا عن حلفائها العرب، وكان من الطبيعي أن تتجه الدول العربية، لا سيما دول الخليج العربي، لتمتين علاقاتها مع روسيا والصين. وفي حين كان من الطبيعي أيضاً أن يؤدي هذا التطور في العلاقات الدولية إلى زيادة التغول الإيراني في المنطقة العربية، اغتنمت الصين الفرصة للمبادرة في رعاية اتفاق سعودي إيراني، وهو ما حدث في مارس الماضي.

التقارب السعودي الإيراني كان أيضاً ضمن الأسباب التي أدت إلى انحسار الدور العسكري للتحالف العربي في اليمن. ليس ذلك وحسب، بل دفع بالمملكة العربية السعودية إلى إثبات حُسن النوايا من جانبها فغيرت تعاملها مع ذراع إيران في اليمن باتجاه إحلال السلام وضغطت على الحكومة الشرعية والأطراف الممثلة في مجلس القيادة الرئاسي للقبول بتسوية سياسية مع ذراع إيران. جاءت زيارة الوفد السعودي برئاسة سفير المملكة لدى اليمن محمد آل جابر إلى صنعاء في سياق إجراءات بناء الثقة بين السعودية وإيران، ويدل التزام الأطراف الممثلة في مجلس القيادة الرئاسي بالهدنة واحترام جهود ومساعي السلام، على أن السعودية تضغط فعلياً على حلفائها اليمنيين لوقف الحرب ضد ذراع إيران في البلاد. لكن ما الذي يحدث بالمقابل من جانب المليشيا الحوثية؟

تعمد قادة المليشيا الحوثية الإساءة للوفد السعودي وما زال في صنعاء، وكثفوا من تصريحاتهم المتضمنة تهديدات صريحة باستئناف الحرب ضد الحكومة الشرعية وباستئناف هجماتهم الصاروخية ضد الأهداف الحيوية في المملكة وفي دولة الإمارات. وبعد أن تم رفع المزيد من القيود المفروضة على ميناء الحديدة، أجبرت المليشيا القطاع الخاص على استيراد البضائع عبر ميناء الحديدة بدلاً من ميناء عدن، وفرضت المزيد من القيود والجبايات على القطاع الخاص في مناطق سيطرتها، كما تستمر في منع تصدير النفط من المحافظات المحررة تحت تهديد استهداف المنشآت بقصف صاروخي وبالمسيرات، ومؤخراً منعت سلطات المليشيا دخول الغاز المنتج في محافظة مأرب إلى مناطقها واستعاضت عنه بغاز مستورد أعلى كلفة، بل وهددت بقصف منشآت إنتاج الغاز المحلي.

كل ذلك وغيره من التعنت المليشاوي لذراع إيران في اليمن، يقابله مواقف غير حازمة من قِبل المجتمع الدولي والإقليمي ضد المليشيا، وبالتزامن مع موسم الحج لهذا العام، سمحت السعودية بتسيير رحلات جوية مباشرة من صنعاء إلى جدة لنقل الحجاج القادمين من مناطق سيطرة المليشيا. وبالرغم من كل ذلك، تستمر تهديدات الحوثيين بقصف الأهداف الحيوية في المملكة واستئناف الحرب! وما لا يبدو واضحاً في هذه المعادلة المختلة هو المدى الذي يمكن أن يصل إليه تدليل المليشيا إقليمياً ودولياً، والنتائج المترتبة على ذلك!