حضرموت.. آخر ملامح اليمن القديم هل تكون أولى ملامح الجديد؟
تقارير - Saturday 24 June 2023 الساعة 06:41 pmمنذ بداية العام الجاري 2023، تتجه بوصلة معظم الأحداث السياسية في اليمن نحو الجنوب وترتيب وضعه في سياق الجمهورية اليمنية الموحدة أو في سياق استعادة دولته السابقة لوحدة العام 1990.
فبعد ما يقارب 16 عاماً من انطلاق مسيرة الحراك الجنوبي السلمي في 2007، وبعد الكثير من المراوحات والتسويف من قبل القوى السياسية في الشمال في مقاربة الحلول للقضية الجنوبية، تزداد تحركات القادة الجنوبيين كثافة لترتيب وضع الجنوب وفق المستجدات السياسية الراهنة وما أفرزته الحرب طيلة السنوات الثماني الماضية.
وشهدت الأعوام الخمسة الماضية اهتمام دول الجوار الخليجي، وخصوصاً السعودية والإمارات، باستيعاب الاحتقان الجنوبي ضد سلطة دولة الوحدة التي التهمتها الحرب التي أشعلتها مليشيا الحوثيين ابتداءً بانقلابها على السلطة الشرعية واستلائها على صنعاء بقوة السلاح وانتهاءً باستحواذها على السلطة في الشمال والاستمرار بتهديد الجنوب الذي فشلت في اجتياحه عام 2015. تم تشكيل المجلس الانتقالي الجنوبي في منتصف العام 2017 بدعم من دولة الإمارات العربية المتحدة، واستمرت في دعم تشكيل قوات أمنية وقوات نخبة عسكرية خاصة بالمجلس لأن ما تبقى من سلطة دولة الوحدة تغلغل في الجنوب خلال سنوات الظلم والإجحاف والاستقواء بسلطة الدولة وقواتها الأمنية والعسكرية. بقايا سلطة دولة الوحدة في الجنوب تتمثل بتيار الإخوان المسلمين الذي يمثله في اليمن حزب الإصلاح، أحد أكبر الأحزاب السياسية التي لجأت إلى الجنوب بعد انقلاب مليشيا الحوثي على الحكم وسيطرتها على معظم محافظات الشمال.
وبالتزامن مع تحركات المجلس الانتقالي الجنوبي للملمة الصف الجنوبي تحت مكون جامع، عمل تيار الإخوان في الجنوب على مناوأة هذه التحركات والابتعاد عن أي محاولة للحوار مع المكون الجنوبي الأقوى على الأرض حول إعادة فتح ملف القضية الجنوبية وتحديث منظومة الحلول التي تم العمل عليها منذ العام 2007. ووصل الأمر بتيار الإخوان في الجنوب إلى المواجهة العسكرية مع قوات المجلس الانتقالي كما حدث في شبوة منذ العام 2019. وما زال تيار الإخوان ينشط بأجنحته العسكرية التي استحوذ عليها من إرث سلطة دولة الوحدة، وأبرز هذه الأجنحة المنطقة العسكرية الأولى في محافظة حضرموت.
حساسية حضرموت ووزنها في المشهد
بعد أسابيع قليلة من انعقاد اللقاء التشاوري الذي تبناه المجلس الانتقالي في عدن مطلع مايو الماضي لجمع مكونات الحراك الجنوبي السلمي على موقف موحد تجاه مصير الجنوب في الدولة أو مصير الدولة في الجنوب، ذهبت رئاسة هيئة المجلس الانتقالي لعقد اجتماع لجمعيته الوطنية في حضرموت. من خلال التصريحات التي أدلى بها منظمو اجتماع الجمعية الوطنية للمجلس الانتقالي، فقد كان اختيار عقده في حضرموت مدروساً بغرض المزيد من التشاور والحوار مع المكونات الجنوبية في حضرموت والتي لم تشارك في اللقاء التشاوري في عدن. في اليوم التالي لافتتاح الاجتماع في المكلا، تلقى رئيس المجلس الانتقالي ونائبه فرج البحسني دعوة للحضور إلى الرياض. وبالتزامن مع هذا الحدث سافر قرابة 70 شخصية سياسية واجتماعية في حضرموت إلى الرياض بدعوة من الحكومة السعودية أيضاً. بدا واضحاً من خلال تصريحات بعض تلك الشخصيات أنها ليست على وفاق مع المجلس الانتقالي الذي تعرض أيضاً للهجوم من قبل نشطاء سياسيين وفي مواقع التواصل الاجتماعي الذين اتهموه بمحاولة السيطرة على حضرموت واحتكار تمثيلها، بالرغم من وجود عدد من الشخصيات السياسية والعسكرية والمدنية في رئاسة المجلس وهيئاته المختلفة.
وبعد ما يقارب الشهر من المشاورات بين الشخصيات السياسية والاجتماعية التي سافرت إلى الرياض في 19 مايو الماضي، تم إعلان تشكيل "مجلس حضرموت الوطني" في 20 يونيو الجاري، الأمر الذي يطرح عدداً من التساؤلات حول دوافع تشكيل المجلس وقبل ذلك، عن دوافع المملكة العربية السعودية لتبني تشكيل هذا المجلس.
تفيد مستجدات الأحداث الميدانية خلال شهر مضى أن الأوضاع الأمنية والعسكرية في حضرموت كانت على وشك الانفجار بين مؤيدي المجلس الانتقالي ومعارضيه في المحافظة. من تلك الأحداث تحركات كتائب ووحدات المنطقة العسكرية الأولى التي يسيطر حزب الإصلاح على قيادتها ولديه حضور كبير وسط منتسبيها من الضباط والجنود. دلت بعض الأحداث أيضاً على أن حزب الإصلاح مستعد لخوض مواجهة عسكرية ضد الانتقالي ومؤيديه لكي يحتفظ بسيطرته على المنطقة العسكرية الأولى ومناطق انتشارها في حقول النفط وغيرها من المنشآت الحيوية. وفيما يبدو استشعاراً لخطورة الوضع استدعت المملكة العربية السعودية قيادة الانتقالي والشخصيات الاجتماعية التي أسفر اجتماعها في الرياض عن تشكيل مجلس حضرموت الوطني.
منذ تأسيسه خاض المجلس الانتقالي مواجهات مع حزب الإصلاح والتشكيلات العسكرية والأمنية التابعة له، خاصة في عدن وشبوة، وعندما وصل الأمر إلى حضرموت بدأ بانتهاج قنوات سلمية عبر الحوار والدعوة إليه. فحضرموت بتركيبتها السكانية وطباع أهلها ترجح الحوار على العنف، وإضافة إلى الموارد الاقتصادية التي تحوزها، فالعقل السياسي الحضرمي نشط وحاضر بشكل عابر للأجيال، ومن هنا تكتسب حضرموت حساسيتها وثقلها الوازن، سواء في الفترات التي كانت فيها دولة مستقلة أو في الفترات التي انضمت فيها إلى الدولة اليمنية الاتحادية عبر العصور.
آخر ملامح اليمن القديم
قد لا يعرف جميع اليمنيين الكثير عن ملامح ومكونات الدولة اليمنية القديمة باستثناء أسماء الممالك القديمة: سبأ وقتبان وأوسان ومعين وحضرموت وحِميَر.
يذكر المؤرخ الراحل محمد عبد القادر بافقيه، وهو أحد العلماء الجهابذة الذين أنجبتهم حضرموت، أن اليمن لم يتوحد عبر تاريخه السياسي سوى ثلاث مرات. الأولى كانت في عهد الملك السبئي كرب إيل وتر، والثانية في عهد الملك الحِميري شمر يهرعش، والثالثة في عهد الرئيس علي عبدالله صالح. ويستدل المؤرخون اليمنيون بهذه الإشارات التاريخية على أن اليمن باستثناء هذه الفترات التاريخية لم يكن موحداً، بل مكون من ممالك مستقلة هي: سبأ وحضرموت ومعين وأوسان وقتبان. وبحسب المصادر التاريخية، كانت هذه الممالك تتحد طوعياً في بعض الفترات وحدة اقتصادية، حيث كانت جميعها منتجة زراعيا ونشطة في التجارة الداخلية والخارجية.
من بين تلك الممالك الخمس التي اندثرت ولم تعد أسماؤها موجودة سوى في الكتب وبعض النقوش الأثرية التي تعرضت للعبث والتدمير، حضرموت هي الوحيدة التي احتفظت باسمها قريناً بجغرافيتها الشاسعة. وهي الوحيدة أيضاً التي احتفظت بمعظم مساحتها القديمة مقترنة بهذا الاسم الذي قاوم كل عوامل الاندثار طيلة أكثر من 1500 سنة منذ تفككت آخر دولة موحدة في اليمن القديم. هذا بدوره يثير المزيد من الأسئلة حول أسباب نجاة حضرموت، باسمها ومعظم جغرافيتها وبنيتها الاجتماعية والاقتصادية، من كل عوادي الدهر والصراعات السياسية الداخلية والخارجية؟
وبالنظر إلى المعطيات السياسية الراهنة مع ما يبدو من انقسام وسط النخبة السياسية لحضرموت، سوف يظل الرهان قائماً على ذلك السرّ الذي حافظ على بقاء حضرموت في وجه أعتى الصراعات، وهو سرّ عابر للأزمنة وليس هذا الزمن استثناء. فهل ستقدم حضرموت مثالاً حياً للتماسك الوطني، سواءً بابتكار صيغة جديدة للوحدة السياسية أو بتجديد ملامح اليمن الاتحادي الذي طالما نشده سياسيو المرحلة ولم يعرفوا طريقه؟