استفزازات ومطالب تعجيزية للجنوح للسلام.. الحوثي يدفع بأزمة اليمن إلى طي النسيان الدولي

تقارير - Saturday 04 November 2023 الساعة 09:21 am
عدن، نيوزيمن، خاص:

مرّ عام على انتهاء الهدنة الأممية التي أعلنت في اليمن بين أطراف النزاع -أكتوبر 2022- ولا يزال البلد يعيش حالة «اللا حرب واللا سلم» في انتظار أية انفراجة في الأزمة وإيقاف الاقتتال العبثي الذي تقوده مليشيا الحوثي- ذراع إيران في اليمن منذ 2015.

وارتفعت آمال اليمنيين خلال فترة الهدنة، التي استمرت 6 أشهر، من أجل إنهاء الحرب ومعالجة الأزمات التي طحنت الشعب وخلفت الكثير من المآسي في الجوانب الإنسانية والاقتصادية والاجتماعية. ورغم التهيئة الأممية والإقليمية والدولية لعودة العملية السياسية بين الأطراف اليمنية لإبرام هدنة جديدة طويلة، إلا أن هذه التحركات تنصدم بتعنت وعراقيل واشتراطات تعجيزية من قبل مليشيا الحوثي، التي تحاول الاستفادة بشكل كبير من حالة «اللا حرب واللا سلم» من أجل تعزيز قدراتها القتالية والاقتصادية وبسط نفوذها بشكل أكبر في المحافظات الخاضعة لسيطرتها.

استمرار رفض الحوثيين التجاوب مع مساعي السلام يعرض الهدوء النسبي الحاصل حالياً في اليمن منذ انتهاء الهدنة قبل عام إلى الانهيار في أي وقت. خصوصاً وأن التحركات العسكرية الحوثية مستمرة داخل البلد وخارجه وهذا ما عكسته الهجمات المتقطعة على عدة جبهات ومحاور. ناهيك عن الضربة الجوية التي طالت الجنود البحرينيين المرابطين في الحدود الجنوبية السعودية قبل أكثر من شهر.

مطالب تعجيزية

ورغم فرح اليمنيين بالهدنة وما فتحته من نوافذ أمل بتطبيع الأوضاع، ومعالجة المآسي الإنسانية، ظلت المليشيا الحوثية تتنصل من تنفيذ الكثير من التزاماتها. وبرز هذا التعنت في رفض إيقاف العمليات العسكرية والتحشيد ومنع صرف مرتبات الموظفين، وإنهاء حالة الحصار الاقتصاد على البلد بعد استهداف الموانئ النفطية بعد شهر واحد فقط من إعلان انتهاء الهدنة الأممية، ناهيك عن تضييق الخناق على حركة السلع والبضائع، وهو ما فاقم الأزمة الإنسانية بشكل كبير جداً.

ويوضح عدد من الخبراء، في تصريحات نشرها موقع "وورلد بوليتيكس ريفيو"، قبل أيام، أن مليشيا الحوثي تطرح مطالب تعجيزية مقابل استئناف العملية التفاوضية وتشبثها برفض التحاور مع الحكومة اليمنية الشرعية بجانب مواصلتها لاعتداءاتها العسكرية ضد المدنيين، تمثل عوامل مُنذرة بإمكانية تجدد القتال دون سابق إنذار، وبشكل واسع النطاق، على النحو الذي كان قائماً، قبل سريان الهدنة الأممية للمرة الأولى في أبريل 2022.

ولفت الخبراء إلى أن الحوثيين صعدوا على مدار الشهور الاثني عشر الماضية، من مطالبهم بشكل متكرر ومتعنت، بما شمل رهنهم لوقف إطلاق النار المرتقب بدفع رواتب المسلحين في المناطق الخاضعة لسيطرتهم، فضلاً عن إجهاضهم لأي مفاوضات تستهدف إعادة فتح الطرق المؤدية لمدينة تعز المحاصرة، بجانب محاولاتهم للسماح بفتح مطار صنعاء وميناء الحُديدة أمام الطائرات والسفن من دون ضوابط، كي يتسنى لهم جلب الأسلحة والإمدادات اللوجستية العسكرية عبرهما.

ويؤكد الباحث السياسي المصري، محمد فوزي، عضو المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، أن الحوثيين يريدون من خلال استمرارهم في التصعيد نسف جهود السلام وتحقيق مكاسب متعددة، وهذا يعرف بالتصعيد التكتيكي، لافتا إلى أن هذا التصعيد يسير في محورين: الأول، خطاب سياسي حول الحلول السلمية للأزمة. في حين المحور الثاني يتمثل في التصعيد الميداني المتواصل.

وأضاف، إن نهج التصعيد التكتيكي الحوثي حقق جملة من الأهداف السياسية والميدانية التي عززت نفوذ الجماعة، وكشف حقيقة المراوغة التي يمارسها الحوثيون لإظهار دعمهم لمبادرات التسوية. وأشار إلى أن هناك دلالات كثيرة على أن التصعيد الحوثي عسكرياً وميدانياً يؤكد عدم استجابة الحوثيين أو جديتهم في التعامل مع الجهود الإقليمية والأممية والدولية، الرامية إلى إنهاء الحرب وإحلال السلام. 

وقال إن مباحثات السلام وحلحلة الأزمة في اليمن تتراجع فعلياً مع استمرار كسب الحوثيين مزيداً من الوقت لإعادة ترتيب صفوفهم وبناء واقع ميداني يخدم أجندتهم.

استفزازات مستمرة

وخلال فترة العام منذ انتهاء الهدنة الأممية، بزرت الكثير من الممارسات الحوثية التي تؤكد عدم جدية هذه الميليشيات المدعومة من إيران في الجنوح لعملية سلام شاملة تنهي الصراع والاقتتال وترفع معاناة الشعب اليمني. 

ويوضح مركز «رع» للدراسات -وهو مركز مصري- أن الجميع كان ينتظر تحقيق تقدم في عملية السلام في اليمن، وحدوث تطور حقيقي من جهة الجماعة الحوثية نحو إنهاء الحرب، خصوصا مع المباحثات مع الجانب السعودي والوساطة العُمانية، لكن ما حدث هو عكس ذلك من خلال التصعيد على المستويات العسكرية والسياسية من أجل تحقق مكاسب جديدة وزيادة التعقيدات في الوصول إلى سلام حقيقي.

وأكد تحليل نشره المركز مؤخراً، أن الاستفزازات الحوثية عسكرياً وسياسياً تهدد بعرقلة مساعي السلام وتهدد بالعودة إلى نقطة الصفر في العنف والاقتتال، موضحا أن الاستفزازات الحوثية تهدف إلى التصعيد على المستويين السياسي والأمني، وما حدث من استهداف موقع داخل الأراضي السعودية بطائرة مسيرة، أدى إلى مقتل جنود بحرينيين تابعين للوحدة العسكرية المشاركة في تحالف دعم الشرعية، يعد ورقة ضغط تمكن الميليشيات الحوثية من الحصول على أكبر قدر من المكاسب في المفاوضات حال استمرارها، غير أنه من المحتمل بشكل كبير أن تداعياتها ستكون عكس المساعي السلمية.

وأشار التحليل إلى أن حالة الحرب التي تعيشها اليمن منذ سنوات تعد مكسباً لبعض القيادات الحوثية نظراً لما تحصل عليه من دعم مادي وعسكري. وهذا يعد أحد الأسباب الذي يدفع الميليشيات الحوثية إلى المماطلة لإنهاء الحرب وإحلال السلام في البلد.

انهيار اقتصادي 

حالة «اللا حرب واللا سلم» خلفت وضعاً صعباً يعاني منه المواطنون شمالاً وجنوباً. فالاقتصاد اليمني يسير بخطى متسارعة نحو الانهيار في حال استمرت هذه الحالة بعد توقف تصدير النفط الخام بسبب الاعتداءات الإرهابية التي نفذتها الميليشيات الحوثية على الموانئ النفطية في حضرموت وشبوة في نوفمبر 2022.

ولعل أبرز سمات الوضع الصعب تدهور العملة المحلية، فالريال اليمني تهاوى بشكل تدريجي منذ 2015، بعد أن كانت أسعار صرف الدولار في العام 2015 لا تتخطى 250 ريالاً، أصبح اليوم في العام 2023 أكثر من 1400 ريال في مناطق سيطرة الحكومة اليمنية، في حين استقرت أسعار الصرف ما بين 500 إلى 600 ريال في مناطق الحوثي.

تصاعد الأزمات الاقتصادية والمعيشية، فاقم من الوضع الإنساني وأصبحت أزمة الجوع تتفاقم يوما بعد يوم، بحسب آخر تقرير صادر عن برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة الشهر الماضي أشار إلى أن 19.7 مليون شخص في اليمن يعانون من انعدام الأمن الغذائي الحاد، وهو أعلى رقم على الإطلاق. في حين يحتاج 5.3 ملايين شخص إلى مساعدات غذائية عاجلة لتجنب المجاعة.

وعلى الرغم من أن اليمن تحصلت خلال سنوات الحرب الماضية، بحسب إعلانات الحكومات الخليجية والدولية ومؤسسات وجهات مانحة إقليمية ودولية، على عشرات المليارات من الدولارات، إلا أن الواقع الاقتصادي والمعيشي في البلاد يزداد تدهوراً ولا يزال يواجه أكبر أزمة إنسانية في العالم، وفق تصنيف الأمم المتحدة. 

وبحسب تقديرات اقتصادية صادرة عن مركز الدراسات والأبحاث العربي، فإن خسائر اليمن بسبب الصراع ما بين 170 إلى 200 مليار دولار من ناتجه المحلي الإجمالي بين الأعوام 2015 – 2022، بينما غطت المساعدات أقل من 10% - 12% من الاحتياج. 

نسيان أزمة اليمن 

استمرار الانتهاكات والمماطلات الحوثية للجنوح للسلام، يجعل الأزمة في اليمن عالقة إلى أمد غير منظور في دائرة «اللا حرب واللا سلم»، دون وجود فرص تُذكر في الأفق، لإيجاد أي تسوية نهائية، أو حتى إطلاق عملية سلام حقيقية.

وأشار كبير الباحثين سابقاً في شؤون اليمن بمركز "مجموعة الأزمات الدولية" للدراسات والأبحاث، بيتر سالزبري، إلى أن الأزمة في هذا البلد، باتت تواجه "خطرا حقيقيا"؛ لأن يتم نسيانها من جانب المجتمع الدولي، المنهمك في الوقت الحاضر، في الاهتمام بصراعات إقليمية ودولية أخرى ملتهبة، على أكثر من جبهة.

وشدد سالزبري، على أن ميليشيا الحوثي تقاوم بشدة فكرة الانخراط في أي محادثات سياسية، خشية أن تقود مثل هذه الخطوة، إلى إسدال الستار على حكمها للمناطق الخاضعة لسيطرتها في اليمن، منذ انقلابها على الحكومة المعترف بها دولياً في 2014، مما أدى لاندلاع الصراع، بما نجم عن ذلك من الزج بالبلاد في أزمة إنسانية، تؤكد الأمم المتحدة أنها الأسوأ من نوعها في العالم بأسره.

وحذر سالزبري، من أن الوضع الراهن، بما يشهده من ركود، يعزز فرص بقاء الصراع اليمني في "طي النسيان الدولي"، ما يشكل أمراً مخيباً لآمال من كانوا يأملون في أن يمهد الهدوء الهش الحالي، للتوصل إلى نهاية سريعة للأزمة المستمرة، منذ أكثر من 9 سنوات.