ثاني مصدر للإيرادات في قبضة الحوثيين.. ماذا تبقى من الحكومة الشرعية؟

تقارير - Tuesday 06 February 2024 الساعة 09:42 am
المخا، نيوزيمن، خاص:

يعرف جميع اليمنيين أنه لا وجه للمقارنة بين مليشيا انقلابية أذاقتهم الويلات منذ عشر سنوات، وبين الحكومة الشرعية التي تحتفظ بما تبقى من مؤسسات الدولة اليمنية والنظام الجمهوري. إلا أن تراخي قبضة الحكومة على المؤسسات السيادية وقبولها تقديم تنازلات حساسة للحوثيين تمس الحق السيادي للجمهورية اليمنية، جعل المواطن ينظر إليها ككيان غير حريص على المقدرات الوطنية التي تعتبر ملكا للشعب، ومن تلك المقدرات مؤسسة الاتصالات التي تعتبر ثاني أكبر مصدر للإيرادات الحكومية بعد النفط.

بدأ التفريط الأكبر في مسار معركة استعادة الدولة منذ قبول الضغوط الدولية لإيقاف معركة الحديدة ثم قبول فتح مطار صنعاء ورفع القيود عن ميناء الحديدة، وصولا إلى اتفاق هدنة أبريل 2022، وكل ذلك تم بدون أي تنازلات من جانب مليشيا الحوثي. كان من الطبيعي أن تجد المليشيا الحوثية مناخا مناسبا للتمادي أكثر في فرض مطالبها المتعنتة على مساعي السلام وأبرزها مطالبتها في تقاسم إيرادات النفط مع الحكومة. وكنتيجة لصمت الحكومة على كل هذا التمادي الحوثي، قصفت المليشيا موانئ تصدير النفط والغاز في حضرموت وشبوة في أكتوبر 2022، وهددت بتكرار قصف المنشآت النفطية في المحافظات المحررة إذا استأنفت الحكومة التصدير. فما الذي فعلته الحكومة أو بالأصح مجلس القيادة الرئاسي؟ رضخ للابتزاز الحوثي ولم يدافع عن مصدر الإيراد السيادي الأول للبلاد.

نقلت البنك وعجزت عن نقل الاتصالات

عندما نقلت الحكومة البنك المركزي من صنعاء إلى عدن اتخذت كافة الإجراءات لمخاطبة الجهات الدولية بعدم التعامل مع المليشيا الحوثية، لكنها تراخت في نقل الاتصالات وهي مؤسسة لا تقل أهمية عن المؤسسة النقدية، بل وتعتبر أكثر خطورة على الأمن القومي للدولة والمواطنين على حد سواء.

بقدر ما كان البيان الأخير لمؤسسة الاتصالات ضروريا ومهمّا، إلا أنه كان مخيبا للآمال. فخلال سنوات الحرب لم تفلح الحكومة في انتزاع التحكم بالاتصالات من يد الحوثيين، وأكثر من ذلك أخفقت حتى في حماية كابلات الإنترنت الدولية في البحار اليمنية. 

طوال السنوات الماضية اعتقد المواطنون، خاصة في المناطق المحررة، أن الحكومة سوف تعمل على تخليص الاتصالات من قبضة المليشيا الحوثية، لكن في النهاية ظهرت ببيان تحذيري هزيل من استهداف المليشيا لكابلات الإنترنت الدولية في مضيق باب المندب، وأفصحت بما كان يجب أن تفصح عنه قبل سنوات؛ "التحالفات الدولية للاتصالات، التي تدير هذه الكابلات، قد تعاملت مع مليشيا الحوثي مما منح المليشيا معرفة بعمليات الكابلات البحرية الدولية"!

يتساءل الكثير من المراقبين اليوم عن سبب صمت مؤسسة الاتصالات عن تعامل جهات دولية مع مليشيا الحوثي في مؤسسة سيادية، وعن سبب رفضها التعامل مع المؤسسة الشرعية، وهناك المزيد من الأسئلة التي تثيرها هذه القضية الخطيرة، مثل لماذا لم تخاطب الحكومة هذه الجهات الدولية قبل سنوات بعدم التعامل مع مليشيا الحوثي، وهل من صميم اختصاصها أن تطالب مؤسسات الاتصالات الدولية بذلك عبر بيان موجه للتداول الإعلامي أم عبر مذكرات رسمية؟ وقد تلقف الإعلام الغربي بيان مؤسسة الاتصالات اليمنية واهتم به على نطاق واسع، الأمر الذي يوسّع نطاق هذه الفضيحة الحكومية المدوية. 

وبحسب صحيفة الجاريان البريطانية لم تصدر مؤسسة الاتصالات هذا البيان التحذيري إلا بعد أن نشرت قناة مرتبطة بالحوثيين في تليجرام خريطة للكابلات الممتدة على طول قاع البحر الأحمر، وأرفقت الصورة برسالة تقول: "توجد خرائط للكابلات الدولية التي تربط جميع مناطق العالم عبر البحر. ويبدو أن اليمن في موقع استراتيجي، حيث تمر بالقرب منه خطوط الإنترنت التي تربط قارات بأكملها – وليس الدول فقط". يهتم الإعلام الغربي بهذا التهديد كون استهداف الكابلات الدولية للانترنت في البحر الأحمر سيؤثر على جودة الإنترنت في عدة بلدان في ثلاث قارات. ومن بين أكثر الخطوط الاستراتيجية ارتباطا بهذه الكابلات، خط آسيا-إفريقيا-أوروبا AE-1 الذي يبلغ طوله 15500 ميل (25000 كيلومتر) ويمتد من جنوب شرق آسيا إلى أوروبا.

التعويل على المجتمع الدولي 

في كل المراحل التي كثفت فيها مليشيا الحوثي هجماتها على القوات الحكومية أو حاولت فرض واقع جديد عليها، تكتفي الحكومة الشرعية بمطالبة المجتمع الدولي بالضغط على المليشيا الحوثية للتراجع عن خططها وسلوكها العدائي. ومنذ توقيع هدنة أبريل المشؤومة لم يحدث أن ردت الحكومة على السلوك العدائي الحوثي بطريقة رادعة وهي اللغة الوحيدة التي يفهمها الحوثيون جيدا. وفي واقع الأمر ليس الحوثيون وحدهم من يفهمون جيدا لغة القوة، بل المجتمع الدولي أيضا، بدليل أن السياسة الدولية تبدل لونها ومعاييرها بحسب قوة الأطراف على الأرض.

ففي جميع البلدان التي حدثت فيها انقلابات سياسية وصراعات عسكرية يقف المجتمع الدولي مع الأطراف ذات الغلبة والقوة على الأرض، وأقرب مثال على ذلك سوريا التي حافظ فيها نظام الأسد على العاصمة والمؤسسات السيادية وجزء كبير من القوة العسكرية في يده رغم الدمار الذي لحق بالبلاد.

المبالغة في التهذيب

تبالغ الحكومة الشرعية ومسؤولوها في التزام التهذيب وإظهار السلوك السلمي الراقي مع الدبلوماسيين الإقليميين والدوليين، ويبدو أنهم أصبحوا يخشون من أن يتهمهم الأشقاء والأصدقاء بعرقلة مساعي السلام أو الإخلال بدعم جهود المبعوث الأممي إلى اليمن. لكن بالمقابل ما الذي يفعله الحوثيون؟ يشنون حملات إعلامية مكثفة على المبعوث الأممي وعلى الدبلوماسية الإقليمية والدولية ويغامرون في استهداف دول الجوار ولا يعولون على أي دعم خارجي، كما أنهم يحرصون على التكتم الشديد بشأن تبعيتهم لإيران ويظهرونها بمظهر الحليف لا أكثر. 

طاف وزير الخارجية السابق أحمد بن مبارك عواصم العالم دون أثر للدبلوماسية اليمنية على موقف المجتمع الدولي، ويكتفي وزير الإعلام معمر الإرياني بتغريدات وبيانات استنكار السلوك الحوثي العدائي ضد الحكومة وضد المواطنين في مناطق سيطرة المليشيا، ويكرر جميع مسؤولي الحكومة مطالبتهم للمجتمع الدولي بممارسة ضغوط أكبر على الحوثيين. والحقيقة أن الحوثيين لا تردعهم التصريحات بل الإجراءات العملية، فعندما نقلت الحكومة البنك المركزي من صنعاء إلى عدن، وقعوا في مأزق كان بإمكانه المساهمة في إنهاء انقلابهم، لكن الحكومة لم تستغل تلك الفرصة كما هي عادتها في عدم استغلال أي فرص سانحة لكسر شوكتهم.

خلال السنوات الماضية شكلت السيطرة على مؤسسة الاتصالات قضية شائكة، وفي كل مراحل محاولات سحب بساطها من تحت أقدام الحوثيين، كان نشطاء الإخوان يشنون حملات مكثفة على الحكومة بذريعة التفريط بالسيادة الوطنية. كل ذلك لأن الشركة التي كانت تعاقدت معها الحكومة لإنشاء شركة اتصالات مستقلة عن السيطرة الحوثية، هي شركة إماراتية، بينما تم السماح لشركة You للهاتف النقال بالعمل في المناطق المحررة وهي شركة عمانية ويمتلك الناطق باسم الحوثيين محمد عبدالسلام حصة فيها. وعلاوة على ذلك، تقع المقرات الرئيسية ومراكز التحكم الخاصة بجميع شركات الاتصالات الثابتة والنقالة تحت سيطرة مليشيا الحوثي، ولعل هذا الأمر تحديدا يفسر عدم قدرة الحكومة ومجلس القيادة الرئاسي على إنهاء الانقلاب الحوثي واستعادة مؤسسات الدولة.