الحديدة من الداخل.. طَرْد الحوثيين أُمْنِية تتفوق على مخاوف الحرب

السياسية - Thursday 08 November 2018 الساعة 01:29 pm
الحديدة، نيوزيمن، سياف الغرباني:

غادر عبد الرحمن صغير، الحديدة، بعد ثلاثة أيام من بدء قوات المقاومة المشتركة، مسنودة بالتحالف العربي، معركة إنهاء تحكم المسلحين الحوثيين بالمدينة ومينائها الاستراتيجي، الرئة التي يتنفس بها اليمنيون.

وصل عبد الرحمن، وهو شاب عشريني لم يكمل بعد مرحلة الثانوية، إلى مدينة المخا، بعد رحلة شاقة استهلكت زهو 48 ساعة، ذلك أن ظروف الحرب باعدت أسفار اليمنيين، لدرجة صار انتقالك من الحديدة إلى المخا أمراً متعذراً دون التفاف نصف دائري على الجغرافية الوطنية.

لم يترك عبد الرحمن مدينة الحديدة، تحت ضغط المخاوف التي انتابت السكان من لحظة انتقال المواجهات مع الحوثيين إلى عمق المدينة، بل إن ثمة سبباً مختلفاً دفع الشاب الحالم لمغادرة أسرته ومنزله ومدينته التي ارتبط بها منذ أن استنشق أول نفس في الحياة.

عبد الرحمن واحد من آلاف الطلاب، حال مسلحو الحوثي بينهم وبين مقاعد الدراسة في الحديدة، بعد أن حول صبيان الكهوف مدارس المدينة إلى ثكنات عسكرية، تضيق بأدوات الموت من العبوات المتفجرة إلى مدافع الهاون.

حرم عبد الرحمن، وغيره كثيرون، حق التعليم لمجرد أن جماعة فاشية قررت إحراق مدينة تسيطر عليها بالقوة، على أن ترفع يدها عن حياة السكان وخبزهم، ومع ذلك التزم منزله في حي "غليل" على أمل حدوث انفراجة يتسنى له معها العودة إلى فصله المدرسي في المرحلة الثانوية.

لم يخطر بباله أن معاناته لن تتوقف هنا، أو أن يأتي يوم تحصر خياراته بين أمرين: الانخراط في صفوف الحوثيين والقتال إلى جانبهم، أو الخطف والسجن.

ما لم يفكر به حدث، حين ارتفع منسوب العمليات العسكرية للمقاومة المشتركة في مداخل الحديدة ومحيطها، ذلك أن مسؤولي الحوثي بدأوا مرحلة جديدة من الحشد الإجباري داخل المدينة لتعزيز جبهاتهم المتهالكة تحت وقع الضربات المتواصلة لقوات التحالف العربي.

يقول عبدالرحمن في حديث لـ"نيوزيمن": "بعد وصول القوات المشتركة إلى قوس النصر، تفاجأنا بمشرف حوثي في حارتنا يطالب الأسر بتجنيد أبنائها، ويهدد من باعتقال من يرفض".

لوهلة لم يأخذ تهديد المسؤول الحوثي، على محمل الجد، وتعامل معه بنوع من اللامبالاة –كما يقول عبدالرحمن- لكن الأمر اختلف كلياً حين بدأ الحوثيون بتنفيذ التهديد في المنزل المجاور لمنزل أسرته، إذ خطفوا شقيقين بعد امتناعهما عن حمل السلاح والانخراط في القتال.

لم يكن أمام عبد الرحمن من خيار إلا البحث سريعاً عن مخرج طوارئ، وقد استطاع الإفلات من يد الحوثيين، في ثالث أيام المواجهات داخل المدينة، ووصل أخيراً إلى مدينة المخا الساحلية.

رغبة الخلاص تهزم مخاوف الحرب

لا يتردد سكان الحديدة، في إبداء قلقهم إزاء التداعيات التي قد تترتب على احتدام المواجهات داخل المدينة ذات الأحياء المكتظة بالسكان، خاصة مع اعتماد الحوثيين خطة دفاعية كارثية ترتكز بشكل أساس على استخدام المدنيين دروعاً بشرية.

وعمد الحوثيون، من وقت مبكر، إلى التحصن داخل البنايات المرتفعة والدفع بمجاميع مسلحة للتمركز في أسطح المنازل، إلى جانب نشر أسلحة ثقيلة بما في ذلك مدافع الهاون داخل الأحياء السكنية في أرجاء المدينة.

ومقابل تخوف السكان من تداعيات الحرب، ثمة تفاؤل ملحوظ في أساط الأهالي، لجهة إزاحة الكابوس الحوثي عن صدر الحديدة، ووضع حد لحقبة سوداء لم تجلب غير الجوع والقهر والأوبئة.

مع الإشارة إلى أن كثيراً من السكان ما زالوا يتحفظون حيال الإفصاح عن مواقفهم المؤيدة تجاه العملية العسكرية للمقاومة المشتركة والتحالف العربي في مدينة الحديدة، خشية ردة فعل انتقامية من الحوثيين، سيما مع بقاء سيطرتهم على الجزء الأكبر من المدينة، وكذا لعدم وضوح مآلات المعركة بعد.

وبجانب التأييد الذي أطل برأسه من وسط المعارك، إلى مواقع التواصل الاجتماعي، من اللحظات التالية لانطلاق العملية العسكرية داخل المدينة، لم يتردد "عبد الرحمن" في تأكيد أن الجزء الأكبر من سكان الحديدة، بمن فيهم عائلته التي تقيم في حي قريب من مسرح المواجهات وتعيش أجواء الحرب والقلق، ينتظرون بحذر لحظة الخلاص من ميليشيا الحوثي.

وتعزز هذا التوجه السائد في الحديدة، إجابات مجموعة سكان متفاوتين من حيث السن ومستوى التعليم، على سؤال "نيوزيمن"، عن رأيهم في العملية العسكرية هناك؟ وما إن كانوا مع استمرارها أو يرغبون توقفها؟

وقد خلصت الردود إلى وجود قلق حقيقي لدى الأهالي من الخطر المحتمل على حياة الأهالي، وبذات الوقت حيال الكلفة الإنسانية التي قد تترب، بما في ذلك فقدان المواد الغذائية الأساسية، بيد أن طرد الحوثيين تظل أكثر أمنية تداعب مخيلات أهالي الحديدة وسط ضجيج الرصاص.