تعافي الريال اليمني أمام العملات الأجنبية تعب في الصعود وقلق في الهبوط

إقتصاد - Saturday 01 December 2018 الساعة 08:52 pm
عدن، نيوزيمن، محمد عبده الشجاع:

كانت الحرب خدعة، ثم صارت ذريعة يتحجج بها أطراف الصراع لتنفيذ أهداف وأجندة لا علاقة لها بالإنسان.

هكذا بدأ الريال اليمني في تعافيه، مشكلاً قلقاً للبعض أكثر ما شكله الصعود.
تأتي التخوفات في ظل حرب طاحنة لا أفق لها، فهناك من يخشى عودته في أي وقت إلى الصعود، ومعه ستعود أسعار السلع كما كانت، وهناك من يرى أن الصعود والهبوط غير مرتبط بأسعار المواد الغذائية، نتيجة للسياسة الهشة التي يسير بها البلد وخاصة المناطق الواقعة تحت سيطرة المليشيا أو ما تسمى بحكومة الأمر الواقع.
بينما أصيب العديد ممن تفاجأوا بالهبوط بخيبة أمل وصلت حد الإجهاد والصدمات النفسية وغيرها من الأمراض، تماماً كما حدث قبل سنوات في سوق الأسهم في المملكة العربية السعودية، وما زال البعض ممن ادخر نقوداً بالعملة الصعبة غير مستوعب ما حدث حتى اللحظة.

تقول الأخبار الواردة أنه تم نقل العديد من الأشخاص إلى المستشفيات بسبب ما حدث، فيما آخرون ما زالوا غير مستوعبين هذا الهبوط المفاجئ. 

بالتأكيد أن ما حدث ظاهرة غير صحية، سواء الصعود الذي تدرج حتى وصل سعر الدولار الواحد أمام الريال 800 أو ما يحدث الآن من هبوط، وهذا غير مرتبط بالحرب تماماً وفقاً للمعطيات الاقتصادية، لذا يبدو أن الحرب مجرد ذريعة لابتزاز المواطن والمضاربة بأسعار السلع والعملات.

السوق السوداء

تقول الأرقام والتقارير بأن أي اقتصاد يبدأ بالتعافي، يكون عبر بوابة استقرار العملة وأسعار السلع الغذائية، يسري ذلك على أي نظام يتحمل المسؤولية؛ عليه أن يبدأ بتوفير الخدمات الضرورية للمواطن، والحد من السمسرة ببعض المواد الضرورية من خلال ما يسمى بالسوق السوداء.

لكن الأيام أثبتت أن ما يحدث في المناطق المسيطر عليها من قبل المليشيا، من إغلاق لبعض المحلات التجارية ومحلات الصرافة بداعي عدم التزامهم بالأسعار، لا يعني أن هناك توجها فعليا لعمل معالجة، وإيجاد حلول، طالما أن الذي يقدم هذه العملية فاقد للشرعية والأهلية وللسلام أيضا، ولديه قصور كبير في إدارة الدولة ومواردها، وتحمل المسؤولية الكاملة أمام قطاع واسع من الموظفين.
كما أنه يصبح عائقا أمام أي تحول سياسي، أو اقتصادي من شأنه العمل على استقرار السوق وأسعار السلع الضرورية، وإعادة تسيير العمل في الدوائر الحكومية.

مربط الفرس

مثلما سارت المعارك في اتجاه غامض حتى الآن رغم كل التضحيات والحشود، تسير الأزمة اليمنية عموماً وفق أجندة معينة.
فهناك مجاميع وسماسرة كبار وصغار في الداخل والخارج يتحكمون بالمشهد، ويستطيعون التلاعب متى ما أرادوا، والدليل انهيار العملة، وارتفاع أسعار المواد الغذائية، والتلاعب بمواد الإغاثة أثناء التوزيع والتخزين، واستمرار ارتفاع أسعار المشتقات النفطية، بل انعدامها من الأسواق بشكل نهائي في بعض المناطق، ناهيك عن عدم قدرة الأطراف المعنية صرف رواتب الموظفين بصورة دائمة، وخاصة حكومة الأمر الواقع التي تقودها جماعة الحوثي.

ما يعني أن هناك ترابطا بين جميع الأطراف المتصارعة على إنهاك المواطن، سواء كانوا تجار عملة، أو رجال أعمال، أو جهات غير واضحة للعيان؛ تقود هذه العملية التي تكبل أي تحركات من شأنها رفع المستوى الخدمي لدى المواطن الذي اثقل كاهله الصراع السياسي والحرب التي لا يوجد أفق واضح لنهايتها. 

إعادة الثقة للمواطن

عودة الثقة إلى المواطن تبدأ من خلال إعطاء الصلاحيات لحكومة تكنوقراط، هذا فيما يخص المناطق المحررة، حكومة تواكب الحالة الإنسانية، وتحد من انتشار الفساد المالي والإداري، وتعمل على استباب الأمن في المدن الرئيسية، ومن خلال الدوائر الحكومية، وإلا فإن غياب الثقة سيبقى هاجسا يؤرق المواطن كونه المتضرر الأول من استمرار الفوضى وعدم الاستقرار.

بالمقابل يعول الكثير على رئيس الحكومة الجديد، وعلى اللجنة الاقتصادية التي شكلها الرئيس هادي قبل ذلك، ويعزو الكثير من رجال الاقتصاد والناشطين في وسائل التواصل الاجتماعي بأن ما حدث مؤخرا من تعاف للريال اليمني مقابل الدولار يعود إلى التغييرات التي حدثت في رأس الحكومة والتي تبعها تغيير بعض الوزراء.

وسواء اتفق على هذا الطرح أم لم يتفق، فإن أي حكومة بحاجة لروافد ومدخلات؛ من خلالها تستطيع تقديم نموذج لعمل جماعي، يساعد على انتشال السوق من الفوضى، والتخفيف من الوضع الإنساني للمواطن، وإعادة تشغيل بعض الخدمات الهامة التي افتقدها المواطن لسنوات.

بمعنى أن هذه الحكومة وبحسب المعطيات تحتاج إلى بنك موحد، وإرادة مستقلة، وعملة صعبة، وهذا لن يتأتى ما لم تكن هناك حركة منتظمة لتصدير النفط والغاز وبعض السلع الأخرى، إلى جانب دعم دول التحالف للبنك المركزي اليمني، وعودة الحياة إلى طبيعتها.

أسئلة مشروعة

كل ما سبق هو طرح وتساؤلات مشروعة لإعادة الثقة لدى المواطن، ورسم صورة واضحة للمشكلة الاقتصادية، التي تعد هي مربط الفرس إلى جانب الحرب الدائرة التي أصبحت "ذريعة" أكثر مما هي عائق ومشكلة، بمعنى أن العمل الجماعي والجهود المكثفة، تحتاج إلى شفافية وتنسيق على مستوى واسع؛ لإنهاء بعض المشاكل التي تتعلق بالجانب الإنساني والاقتصادي، وإن كان هناك إجماع على أن إنهاء المعركة لصالح طرف ما، أو تحرير الحديدة على الأقل ومن بعدها بقية المدن؛ هو من سيحل كل المشكلات العالقة وما دون ذلك ليس سوى ترحيل للأوجاع، وزيادة المعاناة.