خسر رهان القوة فتعلق بـ"حبل" الضغوط.. الحوثي يضع آخر أوراقه في محرقة الحديدة

السياسية - Sunday 09 December 2018 الساعة 07:23 am
عدن، نيوزيمن، سياف الغرباني:

بلغ الارتباك الحوثي في الحديدة، غربي اليمن، ذروته في الأيام الأخيرة، بالرغم من خفض المقاومة المشتركة والتحالف العربي، منسوب العمليات العسكرية الهجومية على مواقع الجماعة لاسيما في داخل المدينة.

في الأثناء، برزت مؤشرات عدة إلى واجهة المشهد في الحديدة، لجهة ترجيح كفة المقاومة المشتركة، في ميزان القوة على الأرض، مقابل انحسار وتآكل كبيرين لجهة الحوثيين، إلى جانب فقدان الأخير الثقة بإمكانية الاحتفاظ بالسيطرة على الأجزاء المتبقية بالاتكاء على عوامل ذاتية.

وباستقراء المعطيات الأخيرة، على صعيد العمليات العسكرية للطرفين، يمكن استخلاص بديهية أن القوات المشتركة نجحت، عملياً، في قلب الموازين على الأرض، وخلخلة دفاعات الحوثيين في وقت قياسي، حد صارت تملك القدرة على الضرب في الزمان والمكان اللذين تحددهما هي.

الراجح، بل والمؤكد لدى كثيرين، أن فرص هزيمة الحوثيين نهائياً في الحديدة، متاحة الآن أكثر من أي وقت مضى، قياساً بالأفضلية العسكرية على مستوى القوة والإمكانات، وأيضاً بحالة التصدع الذي يضرب جدار الميليشيا تحت تأثير الضربات المميتة منذ بدء عملية المدينة.

ومقابل ما تبدو غلبة عسكرية للقوات المشتركة، وثقة ملحوظة بالقدرة على انتزاع الحديدة، في الوقت الذي تختاره، يتعلق الحوثيون بقشة الضغوط الدولية، ويراهنون عليها كورقة أخيرة، يمكن أن تؤجل لحظة طردهم خارج المدينة الواقعة على الضفة الشرقية للبحر الأحمر.

ويلحظ أن ثقة الحوثي، في قدرته على الاحتفاظ بوجوده طويلاً في المدينة، تلاشت الآونة الأخيرة، على أن تحركات الجماعة نفسها تعزز هذه الفرضية، وبالنتيجة اتجه للتعويل على الضغوط الدولية، لتفادي المآلات النهائية لمعركة الحديدة.

وعند هذه النقطة، تواظب قيادات الجماعة على إرسال إيحاءات، من وقت لآخر، بإمكانية التفاهم مع الأمم المتحدة، حول ترتيب وضع ميناء الحديدة، بالتوازي مع مرونة تبديها لجهة القبول بدور إشرافي أممي في الميناء.

مع الإشارة إلى أن التجاذبات الدولية حول معركة الحديدة، قد فتحت شهية الحوثيين للمناورة على إيقاع المخاوف الدولية من الكلفة الإنسانية للمسار العسكري، إلى جانب إبقاء مدينة الحديدة خارج نطاق المشاورات مع الأطراف الخارجية، ورهن قبول إشراف الأمم المتحدة بالإبقاء على وجودها في المدينة.

في هذا الشأن يقول الصحافي التهامي مجاهد القب، إن القتال في مدينة الحديدة صار يشكل رعباً على الحوثيين أنفسهم.. تبخرت مجاميعهم.. العشرات يذهبون دون عودة"، مضيفاً: "مؤخراً بدأت المليشيا تزرع جواسيسها في المديريات والقرى للوصول إلى من فروا من جبهة الحديدة".

ووفق تعبير القب فإن الحوثي "يحاول بحقارة الدنيا لفت المجتمع الدولي للضغط على التحالف عبر استهداف المدنيين، واستخدامهم دروعاً بشرية"، وهي إشارة ذكية إلى استراتيجية حوثية تنفذ على طريقة الأرض المحروقة يهدف إلحاق أكبر قدر من الضرر بالمدنيين، وبالتالي استدعاء الضغوط الدولية لإعاقة استعادة المدينة.

وذهبت عواصم دول أوروبية وغربية لتكريس الاعتقاد بأن المسار الدبلوماسي والمفاوضات تظل السبيل الوحيد لإنهاء الصراع في اليمن، رغم أن المؤشرات الواضحة حتى اللحظة تشي إلى أن الحوثيين لا يريدون أكثر من استراحة تمنحهم الوقت اللازم لإعادة ترتيب صفوفهم وبدء جولة جديدة من الحرب المصبوغة بالجهوية المذهبية والجغرافية.

ولعل الحوثي قد وجد ذاته داخل مشنقة عملاقة في الحديدة، خاصة بعدما أثبتت المقاومة المشتركة، خلال مواجهات الأيام الماضية، القدرة الكبيرة على كسر كامل الحواجز والسواتر الحوثية والتعامل مع القناصين، حسبما قال الصحافي بسيم الجناني.

ومني الحوثيون بانتكاسة كبيرة، في الأيام الأولى لإطلاق عملية استعادة الحديدة، مع وصول تشكيلات المقاومة المشتركة إلى عمق المدينة، وبلوغ بوابتيها الجنوبية والشرقية وكسر الدفاعات والتحصينات التي بددوا شهوراً طويلة في بنائها.

وسيطرت قوات المقاومة المشتركة على مساحات كبيرة، في المحورين الشرقي والجنوبي لمدينة الحديدة، وأمّنت العديد من المنشآت الحيوية، التي حولتها ميليشيا الحوثي إلى ثكنات عسكرية، فيما القوات ما تزال في مرحلة الانتشار والتطويق وقطع خطوط إمداد الحوثيين.

وتجاوزت القوات الحواجز المفخخة، بالرغم أن الحوثية استنفرت كافة إمكانياتها لتعزيز خطوط دفاعاتها في المدينة، ودفعت بالجزء الأكبر من قوتها العسكرية والبشرية إلى هذه المساحة الحاسمة التي يقع فيها أهم ميناء تتنفس منه المال والسلاح.

ومع أن ميليشيا الحوثي استغلت الفترة التي شهدت خفضاً لوتيرة العمليات من جانب القوات المشتركة، لإعادة بناء التحصينات القتالية وحفر الخنادق والأنفاق الأرضية، وتفخيخ الشوارع وعديد من البنايات المرتفعة بشبكة متفجرات عن بُعد، لكن كل هذه الإجراءات أثبتت عدم جدواها ولم تشكل عائقاً مهماً أمام القوات المشتركة.

ودفع الحوثيون بأعداد كبيرة من المسلحين وطواقم القناصة والصواريخ الحرارية "صواريخ الكورنيت"، إلى التمركز في البنايات المحيطة بالشوارع الرئيسة المؤدية إلى داخل المدينة، من اتجاه الشرق.

ومن وقت مبكر عملت ميليشيا الحوثي، على بناء التحصينات الحربية، وتفخيخ الشوارع الرئيسة والتمركز داخل عدد من البنايات في نطاق شارع الخمسين، بيد أن المآلات الأخيرة لم تكن في صالحها.

وبرغم الكم الهائل من المتفجرات والعبوات التي زرعتها الميليشيا في بمحيط ومداخل مدينة الحديدة، إلا أنها لم تصمد في مواجهة القوات المشتركة، بقدر ما حاولت عبرها الحصول على الوقت اللازم للفرار.