5 ملايين مريض نفسي.. الفقر يؤسس لمجتمع سيئ لن تنجو منه اليمن

المخا تهامة - Tuesday 15 January 2019 الساعة 10:43 am
صنعاء، نيوزيمن، نجوى إسماعيل:

ارتفع منسوب الجرائم في اليمن بشكل لافت الفترة الأخيرة، بالتوازي مع اتساع مساحة الفقر، ووصول ملايين اليمنيين إلى حافة المجاعة.

وشهدت المناطق الواقعة تحت سيطرة جماعة الحوثي، الذراع الإيرانية في اليمن، تفشياً مخيفاً لكارثة المجاعة منذ ثلاث سنوات على الأقل، مع تزايد أعداد الأسر الفقيرة وفقدان آلاف الأسر لمصادر عيشها.

وقد انعكست كارثة الفقر على منظومة القيم الاجتماعية، إذ ارتفع معدل الجريمة، بشكل لافت، على اختلاف مستوياتها بما فيها القتل والخطف والسرقة بالإكراه كنتيجة طبيعية للمشاكل النفسية المترتبة على آثار الفقر.

قطع المرتبات حرم 40% من الأسر لقمة العيش

تشير التقارير الدولية، إلى تفشي أزمة الفقر، حيث بات أكثر من 22,2 مليون إنسان يمني، من إجمالي 27,4 مليون، بحاجة لمساعدات عاجلة، في وقت ظهرت مؤشرات المجاعة في أكثر من محافظة.

ولم يحصل موظفو القطاع العام على مرتباتهم الشهرية منذ عامين في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين، بحسب تقرير حديث للأمم المتحدة، وبالنتيجة فقدت 40 % من الأسر اليمنية مصادر دخلها الرئيسي وارتفع معدل الفقر في البلاد إلى 80 بالمائة.

وقال تقرير للبنك الدولي في أكتوبر الماضي، إن انخفاض دخل الأسر، وتراجع فرص العمل بشكل ملحوظ، وعدم سداد الرواتب، تسببت في مزيد من معاناة اليمنيين وتعرضهم لمجاعة مهلكة.

في حين أكد تقرير اقتصادي صادر عن مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي، أن انقطاع مرتبات الموظفين الحكوميين منذ 25 شهراً، دفع ستة ملايين فرد للعيش في فقر مدقع.

وأشار إلى تراجع الحد الأدنى للأجور لأقل من 45 دولارا في الشهر، مقارنة بـ95 دولارا في السابق، بسبب تراجع العملة المحلية، بنسبة 143 بالمائة منذ بدء الحرب.

وتحفل مواقع التواصل الاجتماعي بشكل يومي، صورا لأشخاص ينامون في العراء بعد انقطاع المرتبات وفقدان مصادر الدخل المادي وفقدان القدرة على توفير قوت العيش وسداد ايجارات السكن.

الجريمة ابنة الفقر في اليمن

تفيد مصادر أمنية لـ"نيوزيمن"، بأن جرائم القتل بدافع السرقة في العاصمة صنعاء القابعة تحت سيطرة الحوثيين بلغت 200 جريمة خلال النصف الثاني من العام الماضي 2018م، فضلا عن تسجيل 12 حالة انتحار بسبب الفقر.

وتشير المصادر إلى أنّ غالبية جرائم القتل التي حصلت بدافع السرقة كان ضحيتها على الأغلب من سائقي سيارات الأجرة والدراجات النارية.

ويشكو سكان في العاصمة صنعاء، تزايد عمليات السرقات والنهب بالإكراه من قبل مجهولين خلال الفترة الأخيرة.

وتحدث لـ"نيوزيمن"، الشاب عبدالجبار الفضلي عن كيفية سرقة المحول الشخصي الخاص به (اللابتوب والموبايل) وهو يستقل باصا في طريقه إلى حي الجراف وسط العاصمة، حيث تفاجأ بسائق الباص وشخص آخر برفقته يطلبون منه تسليم ما بحوزته أو سيتم قتله ورميه، ولم يكن أمامه إلى تنفيذ الطلب للنجاة بنفسه.

فتاة تدعى أروى الجبني أكدت تعرضها لمحاولة خطف وسرقة من قبل سائق باص أجرة صغير في حي الحصبة شمال العاصمة صنعاء.

تقول أروى لـ"نيوزيمن": كان الوقت بعد المغرب وكنت قريبة من منزلي وتفاجأت بسائق الباص يسرع في القيادة وينحرف عن مساره.. وعندما صرخت ليتوقف رفض وطلب مني تسليم كل ما بحوزتي، فلم يكن أمامي إلا القفز من داخل الباص إلى وسط الشارع".

وخلال الستة أشهر الماضية حدثت الكثير من الجرائم، وثقتها كاميرات المراقبة أمام عدد من المحلات، واظهرت تسجيلات فيديو تعرض رجال ونساء لعمليات سرقة بالإكراه وسط الشارع، وتعرض عدد من الضحايا لإصابات إثر سحلهم لمسافات طويلة.

5 ملايين مصاب نفسي

أدت الظروف المعيشية الصعبة في اليمن وارتفاع معدلات الفقر وانعدام المعيشة إلى تدهور الصحة النفسية للمواطنين بشدة، وتتحدث مصادر طبية أن حوالى 5 ملايين يمني يعانون من الاضطرابات النفسية، بسبب الحرب وتبعاتها السلبية.

ويحذر الأطباء من أن تجاهل هؤلاء المرضى قد يتحولون لعالم الجريمة أو لضحايا، خاصة أن حالات الانتحار ارتفعت بنسبة 40% بصنعاء فقط خلال العامين الأخيرين.

وتفيد عاملة في مستشفى الأمل للطب النفسي في صنعاء عن وجود زيادة كبيرة في عدد المرضى النفسانيين خلال العامين الاخيرين مقارنة بالأعوام السابقة، وقالت لـ"نيوزيمن": يستقبل المستشفى يوميا ما يزيد عن مائة حالة نصفهم معرضون للتحول لمجرمين أو لضحايا.

وأبدت اسفها من تجاهل وسائل الإعلام لهؤلاء الضحايا جراء الفقر وضيق الحال، وهو ما قد يسبب مخاطر اجتماعية كبيرة مستقبلاً حتى مع توقف الحرب.

ووفقاً لمسح أجرته منظمة الصحة العالمية فإنه من بين 3.507 منشأة صحية في اليمن تبقى الخدمات المتعلقة بالأمراض النفسية غير متوفرة إلا بنسب قليلة.

الفقر.. سلاح فتاك لتدمير المجتمعات

وتقول خيرية الرداعي، وهي باحثة اجتماعية، "إن النبي عليه الصلاة والسلام استعاذ من الفقر والقلة والذلة لما له من آثار خطيرة علی الفرد والمجتمع برمته".

واحتلت اليمن وفقا لتقارير الامم المتحدة مراتب خطيرة من حيث ارتفاع نسبة الفقر والمجاعة، حيث اصبح نصف سكان اليمن تحت خط الفقر والعوز والمرض، وتقول التقارير الدولية إن مليوني طفل مصابون بالتقزم نتيجة الجوع.

وتضيف الرداعي، في تصريح لـ"نيوزيمن"، إن "الجرائم والانحرافات والفساد والانتحار هي إفرازات الفقر"، لافتة إلى أن الانتحار أخطر تداعيات العوز، حيث وصل الحال حد انتحار رب أسرة مع أفراد أسرته.

وترى أن "الفرد يصل لهذه الحالة نتيجة تراكمات لإحباطات وقلق وخوف من استمرارية الحياة تحت مظلة الفقر وظروف مجتمعية قاسية".