غزوة البالطوهات بجامعة صنعاء

متفرقات - Saturday 23 March 2019 الساعة 07:58 pm
صنعاء، نيوزيمن، فارس جميل:

تقطع مشواراً طويلاً سيراً على الأقدام نحو كليتها بجامعة صنعاء، ونتيجة ذلك ترفع البالطو الخاص بها قليلاً حتى لا يسحب في الأرض ويجمع الأتربة والأوساخ، لتتفاجأ (س) الأسبوع الماضي بالمرأة التي تقوم بتفتيشها وزميلاتها عند دخول الكلية منذ سيطرة الحوثيين على الجامعة وصنعاء برمتها، وهي تمنعها من دخول الكلية، بحجة أنها ترتدي بالطو قصير، ولا يغطي أقدامها وهذه تمثل مخالفة لتعليمات مشرفي الحوثي في الجامعة.

"هذه تعليمات، ما فيش نقاش حولها، واللي مش عاجبها تروح بيتهم، وتنسى الجامعة".

هكذا قالت تلك المرأة التي يقوم عملها على انتهاك الحريات الشخصية لطالبات جامعة صنعاء، وزادت قسوتها ووقاحتها بعد أحداث 6 أكتوبر الماضي.

صاحت الطالبة، تذمرت، بكت، لم يستطع أحد أن يتدخل في موضوع كهذا، لأنه سيصبح متهماً بأنه مشارك في "الحرب الناعمة" المصطلح الذي خلقه الحوثيون مؤخراً لانتهاك حريات المواطنين، وبدلاً عن التعاون معها، أخبرتها المفتشة الحوثية بأنه وخلال وقت قريب لن يكون هناك طالبة كاشفة عن وجهها، وأن الجميع سيجبرن على ارتداء النقاب داخل الجامعة.

هذا ليس سلوكاً غريباً على جماعة الحوثيين، فهي تنتهج سلوك داعش حرفياً، ولكن جهازها الإعلامي الضخم يغطي هذه الصورة، مع ترك الشرعية للمواطنين في مناطق سيطرتها فريسة له من الإذاعات إلى القنوات الفضائية إلى الفعاليات العامة، وسيارات مكبرات الصوت، ومحاضرات زعيم الجماعة وأخيه الإجبارية في المؤسسات الحكومية، وخطباء المساجد، وحتى الإذاعات المدرسية، واللافتات العملاقة في الشوارع، وكلها تكرس خطاب الجماعة المتعصب الطائفي الذي يخلق الكراهية والثارات الاجتماعية مع مرور كل يوم جديد.

رفضت مؤسسة النقل البري (الأولى) منح تذكرة سفر للصحفية فاطمة الأغبري، بحجة أنها بدون محرم، وسفر المرأة بدون محرم ممنوع، وعندما اتصلت بأخيها لإقناع مكتب الشركة، كما نشرت بصفحتها على الفيسبوك، كرر الموظف نفس الطرح، مؤكداً أن هناك قراراً بمنع سفر أية امرأة لا يرافقها محرم (شرعي).

هذه التراكمات اليومية لقرارات الجماعة كفيلة بتحويل المناطق الواقعة تحت سيطرتها إلى نسخة من الرقة أو الموصل خلال فترة لن تطول، وعندما يقال بأن التلميذ يتفوق على معلمه، فهذا ينطبق على الجماعة التي تجاوزت معلميها في قم وطهران والضاحية الجنوبية الذين يسمحون للمرأة بكشف وجهها، ويعيبون على الوهابيين والسلفيين فرض النقاب على المرأة، كون ذلك ليس من الدين الإسلامي.

تتراجع ملامح المدنية في كل مدن اليمن، وبشأن الحريات العامة، وحرية المرأة تحديداً، لا يختلف الزنداني عن شرف الدين، ولا العديني عن الديلمي، ولا المداني عن الحزمي، فالقمع باسم الله، والتحريم باسم نبيه، وتزوير الحقائق باسم الصحابة والأئمة صفة سائدة تطغى على كل الجماعات الدينية وتجمع بينها لو كانت تتقاتل وتتصارع وتبيح دماء بعضها البعض في كل منبر.

ألم يتحدث الحوثيون عن الدولة المدنية في أدبياتهم؟

ألم يطالبوا بالحريات العامة على مدار سنوات؟

هذه هي النتيجة عندما أصبحوا أصحاب القرار في مناطق سيطرتهم، سقطت الأقنعة وظهرت حقيقتهم سافرة للجميع، وهذه ليست سوى بدايات تطبيق رؤيتهم للحكم، ولن تنتهي إلا بانتهاء سيطرتهم على السلطة بقوة السلاح، وأدوات القمع، وتضليل الناس وإرهابهم.