اختلاق مشجرات الأنساب صناعة الاحتيال السلالي

السياسية - Wednesday 22 May 2019 الساعة 02:31 am
صنعاء، نيوزيمن، عماد طربوش:

بتوقيع "خادمكم ومحبكم أبو يحيى" يوجه أحدهم رسالة مديح العام 2004 إلى حسين الحوثي مؤسس الحركة الحوثية يفتتحها بعد البسملة بعبارة "سيدي ابن رسول الله حسين بن بدر الدين الحوثي"، وفي عديد من أناشيد (زوامل) الحركة جمل متشابهة تنعت زعيم الحركة عبدالملك الحوثي بـ"ابن طه".

أمر طبيعي سعي الحوثيين إلى تأكيد نسبة زعمائهم إلى النبي الأكرم محمد عبر ابنته فاطمة الزهراء، كون الانتماء السلالي يمثل العمود الفقري لنظرية الولاية والحق الإلهي في أساسات بعض المذاهب الإسلامية. لكن السؤال الملح في حالة التسليم بنظرية الولاية: ما مدى صحة مشجرات الأنساب، وبشكل أكثر تحديداً هل ينتمي بنو الحوثي حقاً للسلالة "النبوية"؟

انتحال

تصل التقديرات المعتدلة لعدد المنتسبين إلى البيت النبوي الهاشمي لأكثر من ثلاثين مليوناً بينهم من مليونين إلى أربعة ملايين في اليمن وحدها، وهو ما يخالف الواقع التاريخي والحسابي لنسب التزايد السكاني، وبمقارنة سريعة ببعض المجاميع البشرية المغلقة، بلغ مئات -إن لم نقل آلاف- الدروز خلال ألف سنة ما يزيد قليلاً على المليون شخص، ويتراوح عدد اليهود الذين مروا بفترات اضطهاد أكثر من العلويين – حول الخمسة والعشرين مليوناً مع التنويه إلى عمر هذه الأمة المقارب لأربعة آلاف عام.

وعلى المضمار "الهاشمي السياسي" يلاحظ المهتمون قلة من ينتسبون إلى بني العباس عم النبي، مع استمرار سلطتهم الرسمية والاسمية ثمانية قرون تنقطع مع نهاية العهد المملوكي في مصر، ما يوفر للعباسيين، بفضل امتيازات السلطة، إمكانيات ضبط سلاسل النسب الضرورية لشرعية الحكم من جهة، وتوافر فرص التكاثر الناجمة عن الثراء وما يستتبعه من تعدد الزوجات واقتناء الجواري، من جهة ثانية.

الأعداد الكبيرة لمنتسبي البيت النبوي نتيجة لظاهرة الادعاءات المرافقة للتاريخ الإسلامي، أكثر مما هي عمليات تناسل حقيقية، بغرض نيل امتيازات روحية واجتماعية وسياسية بل ومالية كذلك حسب باحثين.

يقول الباحث اليمني (أ. ك)، إن الإسلام جاء محملاً بالهم الإنساني، ومركزاً على إعادة بناء المجتمع وفق أسس جديدة قوامها الرابطة الدينية ببعدها الإنساني ما كان يعني نقض الأساس القبلي الذي قامت عليه المجتمعات القديمة.

ويضيف: "قبل أن يتمكن الإسلام كثقافة تسللت عناصر ذات خلفية حضارية، وبالأخص الفرس واليهود، وتولت تشكيل الثقافة الإسلامية الناشئة وفقاً لخلفياتها المرتكزة على مفاهيم الأسرة أو الشعب المقدس صاحب السلطتين الدينية والمدنية، وبهذا رسخت مفهوم القبيلة المتغير بطبيعته الاجتماعية كثابت يرتدي صبغة دينية".

ويتابع (أ. ك)، "وهكذا تسربت إلى المقولات الدينية الإسلامية نظريات تحصر الخلافة والسلطة السياسية للمسلمين في قبيلة النبي، قريش، أو عشيرته الخاصة، العلوية الفاطمية تحديداً.

ويشير إلى أن اكتساب النسبة القرشية أو العلوية كان مغرياً للطامحين على الأقل لتشكيل قاعدة شعبية من التعاطف والتقدير، ممثلاً على ذلك بانتحال كثيرين من الأعاجم لأنساب عربية نظراً للمكانة الروحية والاجتماعية والسياسية للأخيرين كمعلمين للداخلين الجدد في الإسلام، كما حدث مع البربر في الشمال الإفريقي، الذين انتسب كثير منهم لقبائل عربية بينها النسب العلوي.

ويسجل التاريخ انتحال قادة ثورات ودول مهمة للنسب العلوي –النبوي لناحية الأم– كقائد ثورة الزنج علي بن محمد على العباسيين في القرن الثالث الهجري واختلاف سلسلة نسبه التي طرحها هو على الناس من منطقة إلى أخرى حسبما تحكي مصادر تاريخية.

وأبرز الأمثلة، انتحال خلفاء الدولة العبيدية (الفاطمية) لنسب يصل إلى الإمام علي وزوجه فاطمة عبر جعفر الصادق، وفشلهم في ذلك رغم قصر الفارق الزمني –أقل من قرنين– بين الصادق ومؤسس الدولة.

وفي التاريخ الحديث ادعى الصفويون حكام إيران النسب العلوي في القرن السادس عشر الميلادي، التاسع الهجري، والوقت الحاضر أفادت بحوث جينية بالأصول القوقازية القريبة، لا عربية ولا قرشية للأسرة الحاكمة المغربية.

تزييف حوثي

في اليمن اشتهر ما يعرف ب"مشجر أبي علامة" مرجعية للأنساب منذ القرن الحادي عشر الهجري، ونقل عنه محمد بن محمد يحيى زبارة ما يخص المنتسبين إلى الإمام علي من اليمنيين في كتاب أسماه "نيل الحسنيين بأنساب من باليمن من بيوت عترة الحسنين" وما يشكك في دقة مشجر أبي علامة إيراده نسب بني عثمان الأتراك إلى آدم، كما أن المشجرات العلوية في اليمن من الصعب ضبطها بسبب سعي كثير منها –زيادة في تحري الشهرة– إلى الارتباط بأئمة، هم بالأصل من بيوت مختلفة ما يجعل مصداقية أعمدة النسب ضئيلة عكس ما إذا كان الإمامة تنتقل بالوراثة في أسرة ما.

ومن مفارقات الحالة اليمنية يجد المرء مقابل كثرة المنسبين إلى "الهاشمية" اختفاء المنتسبين إلى أصول فارسية مع اشتهار تدفق فرس على اليمن قبيل الإسلام، ثم وصول بعضهم مع الزياديين في عهد المأمون العباسي، تلتهم دفع أخرى جاءت اليمن كالطبرانيين مع يحيى الرسي المعروف بالهادي، غير من رافقوا أدعياء إمامة وافدين من فارس. 

بعيداً عن التحاليل الجينية –النادرة في الحالة اليمنية– يتسلسل نسب بدر الدين الحوثي، والد حسين وعبدالملك، حسب ما هو منشور على النحو التالي "بدر الدين أمير الدين الحسين محمد الحسين أحمد زيد يحيى عبدالله أميرالدين عبدالله نهشل المطهر أحمد عبدالله عزالدين محمد إبراهيم المطهر (المضلل بالغمام) يحيى المرتضى المطهر القاسم المطهر يحيى أحمد الناصر الهادي يحيى بن الحسين".

وبالمطابقة على سلسلة النسب ابتداءً من المطهر (المظلل بالغمام) وفق ما أورد زبارة، فحفيد المطهر أحمد بن إبراهيم وليس محمد بن إبراهيم، ويزيد النسب مكان يحيى بن أحمد الناصر أربعة أسماء وفق زبارة هم: محمد بن علي بن المطهر بن علي بن أحمد الناصر، ويجدر التنويه هنا إلى أن زبارة وقبله أبوعلامة ينسبان المظلل بالغمام إلى علي بن أحمد الناصر وليس إلى يحيى بن أحمد الناصر، ومعظم كتب الأنساب لا تذكر أن للناصر ولداً اسمه علي من بين أولاده العشرة، وإنما تشير إلى أن معظم البيوت المنتسبة إلى الناصر من ولديه يحيى والقاسم.

نسب مختلف كثيراً يذكره مصدر عربي هو الدكتور محمود صبحي اعتمد كما يقول على كتب يمنية بينها مخطوطات في الجامع الكبير بصنعاء أثناء زيارته لها تحضيراً لبحثه عن الزيدية، إذ يورد النسب من المظلل بالغمام إلى الناصر حسب الترتيب "المطهر بن القاسم بن المطهر بن محمد بن المطهر بن علي بن أحمد الناصر".

ويتناقض زبارة وأبو علامة مع ما ذكروه في نسب بيت آخر عند عزالدين بن محمد بن إبراهيم بن المطهر (المظلل بالغمام) حيث يأتي النسب على النحو "عزالدين بن القسم بن فضائل بن محمد بن إبراهيم ابن الإمام المتوكل على الله، المظلل بالغمام، المطهر".

ومع أن سلاسل الأنساب المتصلة إلى الهادي يحيى بن الحسين يفترض فيها الدقة لشهرة الهادي وثبوت إمامته في اليمن، إلا أن التضارب واضح في تناول عابر لسلسلة نسب ينتهي إليها التسلسل السلالي للحوثي.

يزداد الأمر سوءاً في وضعية النسب الحوثي عند الأخذ بتأكيد زبارة أن المنتسبين العلويين من أهالي حوث تنتهي سلسلتهم إلى الحسين، لا الحسن، بن الإمام علي عبر "الإمام المؤيد بالله" يحيى بن حمزة حسب الترتيب "يحيى بن حمزة بن علي بن إبراهيم بن يوسف بن علي بن إبراهيم بن محمد بن إدريس بن جعفر" وهو جعفر الزاكي أو كما يصفه أتباع المذهب الإمامي الإثني عشري بجعفر الكذاب.

ويزيد المصدر العربي على السلسلة السابقة اسم أحمد بين محمد وإدريس.

يجدر التنبيه إلى أن كتب الأنساب إلى القرن العاشر الهجري لا تذكر لإدريس بن جعفر غير ولده القاسم وقليل من يشير إلى ولد آخر يسمى عبدالله، ولم يرد ذكر لمحمد أو أحمد بن إدريس، بل إن الكثيرين من النسابة يتهمون كل من ينتسب إلى إدريس بن جعفر من غير ولده القاسم بأنه دعي.

وبالإضافة إلى التضارب داخل كلا النسبين تضطرب فترات سلاسل النسب عند حساب عمر الجيل الواحد بين ثلاثين إلى أربعين سنة. 

في جميع الأحوال تحوم ظلال كثيفة من الشكوك على مشجرات الأنساب عموماً، وعمود نسب الحوثي خصوصاً، وفقاً للمصادر المرجعية المعتمدة لدى مسوقي المشجرات يفترض بها وضع أسئلة حول شرعية الانقلاب الحوثي عند مناصريه، ناهيك عن اللجوء إلى العلم الحديث لحسم صحة القرابات الجينية والسلالية من عدمها، وهو تحدٍ حقيقي أمام الحوثي نفسه، وأمام مؤيديه المؤمنين بالحق الإلهي للولاية السلالية وإن من باب "ليطمئن قلبي" وحتى لا يجعلون الله "عرضة لأيمانهم" في قسم الولاء للحوثي وما ترتب عليه من سفك دمائهم ودماء غيرهم لأجله.