رجال الشهيد داجنة وابنه الأكبر وأُمْنِيَة العودة لـ"معركة نظيفة"

السياسية - Thursday 23 May 2019 الساعة 02:25 pm
المخا، نيوزيمن، محمود زبين:

قدمت جبهات العود الواقعة ضمن النطاق الجغرافي لمحافظة إب نماذج من قياداتها العسكرية، ففي حين باعت بعض تلك القيادات نفسها لمليشيات الحوثي؛ بقيت قيادات أخرى على العهد الذي قطعته في أول سلم في مسيرة حياتهم العسكرية بالدفاع عن النظام الجمهوري، وقدمت الغالي والنفيس في سبيل ذلك.

فبرزت قيادات وأبطال من مختلف الأعمار في أنصع صور الإباء اليمني، مثل: نجيب الحالمي وحمدي المنصوب، وأصيلة الدودحي وعمها وأختها وبنات عمها وربعها والمناضل الكهل العميد رفيق داجنة ورفاق نضاله، لينالوا احترام اليمنيين الذين وقفوا أمامهم بإجلال وإكبار، ليس لكثرة الأسلحة وأنواعها التي لم تكن لديهم بالطبع، بل بعزيمة وإرادة تعانق بشموخها قمم وسهول حمك ويبار وظفار وشذان وخشبة ومنخلة بغض النظر عن نتائج تلك المعارك.

جبهة منخلة بمديرية العود سلسلة جبلية استراتيجية تعد حاكمة على مناطق العود تصل مسافتها لأكثر من 8 كم، تقع بمحاذاة مديرية الشعر، إحدى تلك الجبهات التي كانت محط أنظار اليمنيين مع تدفق برابرة المليشيات الحوثية بشكل مفاجئ في مسعى لاجتياحها، لكنهم واجهوا سداً منيعاً من أبناء المقاومة الشعبية ومن يقف معهم من العسكريين الشرفاء وعلى رأسهم العميد رفيق داجنة.

استطاع العميد رفيق داجنة بحنكته العسكرية وإيمانه بثوابت وطنية ومعه ثلة من الرجال إيقاف تقدم المليشيات الحوثية مدة زمنية طويلة صمد فيها الشهيد رفيق داجنة ثلاثه أيام بدون أي تعزيز أو دعم، لا بالرجال ولا بالسلاح، وأغلب السلاح الذي كان معهم هو حق خاص للشهيد داجنة الذي ضرب أروع وأعظم الأمثلة للصمود والتضحية، وكان دائماً يردد "أنا مستعد أبيع كل ما لديّ وأضحي بكل مالي لأجل الوطن والمقاومة".

مع بداية الثلث الأخير من شهر أبريل 2019م هاجم الحوثيون قطاع منخلة وجبهة جبال العود بقوة واستمات المقاومون في صد الهجوم، وتمكن الحوثيون يومها من تحقيق اختراق طفيف بالسيطرة على بعض المواقع في منخلة المحاذية لجبل السور بمديرية الشعر بمحافظة إب.

دامت المعارك يومين متواصلين مع مواصلة مليشيات الحوثي هجماتها المتكررة التي أنهكت المقاومين الذائدين عن العود على رأسهم القائد رفيق داجنة وسقط الكثير منهم بين شهيد وجريح، ثم عاود الحوثيون الهجوم بدفعات جديدة وأعداد هائلة من اتجاهات متعددة، على مواقع مقاتلين تُركوا هناك يواجهون مصيرهم بلا مدد حتى تمكنوا من اقتحام بعض تلك المواقع.

وكان وراء سقوط تلك المواقع عوامل سياسية ظهرت على شكل طعنات في خاصرة المقاومين نالتهم ممن يفترض بهم أن يكونوا رفاقهم في المتاريس بانسحابهم وترك قوات قطاع منخلة التي يقودها العقيد رفيق داجنة تواجه مصيرها وحيدة، وقد أحاط بها أعداؤها من كل جانب.

اشتدت المعارك واقترب المهاجمون لكن القائد الكهل رفيق داجنة رفض الانسحاب من موقعه، فهو يعلم أنه إذا سقطت جبهة العود الممتدة على سلسلة جبلية تمتد إلى 8 كيلومترات والحاكمة على عدة مديريات، فإن السقوط حتمي لقعطبة ومريس..

وصلت الاشتباكات إلى مسافات قريبة بالأسلحة الخفيفة، لكنه رفض الانسحاب.. أصيب نجله شلال ومقاتلون آخرون، فطلب القائد إخلاءهم للعلاج، فيما ظل هو يقاتل في معركة ظهر جلياً أن الغلبة فيها للحوثيين بسبب تفوقهم بالعدد والعدة وفي جو ماطر ملبد بالغيوم وعلم آل داجنة بالموقف الصعب الذي يعيشه ابن عمهم رفيق حيث كانت فسارعوا لإسناده لكنهم تعرضوا لكمين غادر قبل وصولهم إليه.

قطع خط الإمداد عن قوات الجيش والمقاومة في جبال العود، في ظل انهمار قذائف مليشيات الحوثي من جبال السور الواقعة بمديرية الشعر وتطويق المقاومين من جميع الجهات لكن داجنة ورفاقه استطاعوا الصمود لما يقارب من ثلاثة أيام قبل أن يستشهد في مترسه الذي رفض مغادرته.

ضحى العميد الكهل رفيق داجنة بروحه الطاهرة من أجل الوطن، وبقي ابنه شلال ومن بقى من المخلصين يعانون الأمرّين في أحد فنادق عدن على نفقتهم الخاصة.. يعانون من الجراحات في أجسادهم وجراحات أخرى لا تندمل، يتألمون من القهر الذي يعتصرهم لأنه جاء ممن يفترض أنهم رفقاء السلاح.

شلال ورفاقه لا يلقون بالاً لعدم التفات أحد إليهم فقد رباهم شهيد العود والوطن على الترفع فوق كل الصغائر، لكن ما يشغل بالهم هو العودة إلى أرض المعركة والمواجهة العادلة والخالية من المندسين والخونة الذين خذلوا القائد رفيق وحولوا انتصاراته التي اجترحها إلى هزيمة.. إضافة إلى ضعف إدارة الشرعية إلى حد التأخر الكبير والغياب النهائي عن الأحداث والتطورات.

هذا ما يقوله رجال الشهيد البطل رفيق داجنة، ومعهم ابنه الأكبر شلال رفيق داجنة الذي ورث عن أبيه الشموخ والعزة والأنفة وحب التضحية من أجل الكرامة والوطن.

مع دخول الثلث الأخير من شهر مايو 2019م ها هم أبطال آخرون من أبناء المقاومة الجنوبية والحزام الأمني والعمالقة بإسناد جوي من قوات التحالف العربي يحققون ما يرنو إليه شلال داجنة ورفاقه.. معركة نظيفة تهاجم فيها وظهرك مسنود من مقاتلين آخرين يفتدونك بأرواحهم وبغرفة عمليات مشتركة.

حقق أبناء الجنوب حتى اليوم انتصارات مهمة تكللت بتحرير مدينة قعطبة وهم في طريقهم إلى مناطق العود ومريس ودمت لتحريرها واحدة تلو الأخرى من جحافل الحوثيين الذين ضحوا بالمئات من مقاتليهم خلال الأسابيع القليلة الماضية.

وإذا ما برئت جراح شلال ورفاقه فإنهم لا محال سيكونون في طليعة المقاتلين الذين سينتصرون للقضية التي استشهد قائدهم في سبيلها، وتلك بحق الثأر الذي كان سيطلبه لنفسه.