الصليف.. قصة ميناء منذ الاحتلال العثماني حتى الاحتلال البريطاني (2)

المخا تهامة - Saturday 25 May 2019 الساعة 02:56 am
نيوزيمن، كتب/ أ.د عبدالودود مقشر

تحدثنا عن تسمية ومزايا الصليف، لكن التكوين التاريخي الجيولوجي للصليف وخاصة منجمها الملحي ونشأته ترجع إلى عصور ما قبل التاريخ الأخدود الإفريقي العظيم في خليج عدن والبحر الأحمر، وامتد من جنوب السويس مروراً بأغلب الشاطئ الشرقي للبحر الأحمر والذي تكونت فيه قباب ملحية وجبسية وخاصة في طبقاته الباطنية في عصر الميوسين.

الصليف.. قصة ميناء منذ الاحتلال العثماني حتى الاحتلال البريطاني (1)

شكل هذا الأخدود متبخرات في تهامة، وهي طبقة تمتد على ما يقرب من 100 متر، وتتكون من رواسب الملح والجبس وهو سلفات الكالسيوم calcium sulfate بالإضافة إلى رواسب فتاتية؛ ترسبت في بيئة بحيرية شاطئية، تتواجد هذه المتبخرات بشكل أساسي في مناطق شمال الحديدة، مثل الصليف وجبل القُمة وابن عباس الواقعة على ساحل البحر الأحمر على شكل قباب ملحية، وقد بدأت أهمية القباب الملحية منذ بداية برنامج الحفر العميق في البحر الأحمر والتي أكدت على وجود رواسب المتبخرات التي لها عمر أكثر من 5 ملايين سنة فوق قشرة محيطية لها شذوذ مغناطيسي يقدر بحوالى 2,2 مليون سنة.

أما بالنسبة للجبس فهو من نتائج العصر الكريتاسي والحين الثلاثي والذي كون رواسب الجبس، حيث تتواجد كميات كبيرة من الجبس في منطقة الصليف، حيث يصل استهلاك الجبس هناك إلى 2300 طن / السنة والذي يستخدم بصفة رئيسية في صناعة الأسمنت بمصنع باجل على بعد 100 كم جنوب شرق مدينة الصليف، يتواجد الجبس والذي يتبع العصر الجوراسي الأعلى في منطقة الصليف والتي تحتوي على 12,5 مليون طن (منجم الصليف فقط يحتوي على 4,5 مليون طن)، ويوجد الجبس في الصليف وقدرت جملة احتياطي الجبس الصالح للاستخراج من المناطق الثلاث (الصليف وتعز وبني حشيش) حوالي 13 مليون طن"، فيعتمد مصنع باجل للإسمنت ومصنع اسمنت الأحد في السعودية الذي يقع ما بين مدينتي جيزان والطوال على جبس محجر الصليف الذي ينقل بالسيارات إلى المصنع المذكور، كما يعتمد على جبس الصليف مصنع اسمنت المفرق بتعز والذي يبعد عنه حوالي 300 كيلومتر كما يذهب الدكتور العراقي أحمد حبيب رسول في دراسة بعنوان (صناعة الاسمنت في الجمهورية العربية اليمنية) نشر بمجلة دراسات يمنية، العدد 18.

فالملح الصخري هو الصناعة الاستخراجية الأساسية، ويتواجد في منطقة الصليف.. ويقدر الاحتياطي بحوالي 300 – 500 مليون طن.

يعتبر المؤرخ الهندي راجي Ragaei أن الصليف تتميز بأن ملحها من النوع الفريد والنادر والمحبوب لدى مستخدميه، وبأنها تمتلك ميناء عميقاً جداً تستطيع من خلاله الحمولات دخوله بسهوله، ومع إمكانية الوصول بيسر وسهولة إلى منجم تعدين سطحي يجعل قبة ملح الصليف مصدرا تنافسيا للغاية من هذا المعدن لاستخدامها في الأغراض الكيميائية، تطوير صناعة استخراج الملح في الصليف.

إذن، ارتبطت الصليف بمناجم الملح التي بها واشتهرت بذلك، ففيها "أكبر موطن للملح في جزيرة العرب"، وذكرت المصادر العثمانية صفات هذا الملح وقدرت مخزون المنجم من الملح بثلاثة ملايين طن، وفي هذا الملح "نسبة كبيرة من كلوريد الصوديوم يجعله في مصاف أعظم وأفضل المناجم في العالم". وذكرت الموسوعة العربية أن شهرة الصليف "ترجع إلى وجود مناجم ملح صخري من أجود الأنواع"، ورأى الجغرافي اليمني محمد أحمد الحجري في (مجموع بلدان اليمن) أن "في الصليف معدن الملح الحجري الذي لا نظير له في العالم يشبه البلور في صفاء لونه وهو من المعادن الغنية وهذا المعدن شبه جبل في بطن الأرض والظاهر منه على سطح الأرض نحو مائتي قدم، وشرقي الصليف معدن آخر للملح الحجري يشبه ملح مأرب ومنه يأخذ أهل تهامة وجبالها ما يحتاجون إليه من الملح".

أما بعثة مجلة العربي الكويتية فقد أوردت جوانب من تقرير خبراء كنديين الذين رأوا أن ملح الصليف بعد فحصه تأكد لهم أنه "نقي جداً، معدل متوسط نسبة كلوريد الصوديوم فيه –وهو ملح الطعام النقي– هي 98,3 % وليس هناك ما يشير إلى وجود أملاح بوتاسيوم ولا مغنسيوم بنسبة تذكر"، وذهب التقرير إلى أن "الملح متوافر بكميات هائلة تحت سطح المنطقة التي أجري عليها المسح الجيولوجي ومساحتها 680 ألف متر مربع وسمك هذا الملح 100 متر... وبالإمكان استخراج 250 مليون طن".

أما بالنسبة لتاريخ الاستيطان البشري في الصليف، فقد قام فريق البعثة الايطالية بقيادة ميغريت توزي ( M.Tosi ) بدراسة عصور ما قبل التاريخ في هذه المنطقة، وتوصل خلال موسمين من التنقيب الأثري 1986 -1985م إلى خصائص المستوطنات الساحلية في عصور ما قبل التاريخ التي تضمها منطقة الصليف، وتم اكتشاف قشور النعام وبعض آلات حجرية وخطاطيف سمكية وكسرات فخارية أرخت من خلال الراديو كربون للأصداف إلى منتصف الألف الثاني قبل الميلاد.

ورغم وجود مناجم للملح في الصليف إلا أن هناك أيضاً ممالح بحرية منتشرة قبالة الشواطئ فـ"في ميناء الصليف على الشاطئ الشمالي لشبه الجزيرة الذي يحمل هذا الاسم تستخرج الملح البحري أو الصخري ويستخدم الاول للاستهلاك المحلي، أما النوع الثاني فيصدر إلى اليابان حيث يستخدم في الاغراض الصناعية"، فاستخدام الملح البحري يعود بالأساس إلى الاستخدامات المحلية ويطلق على هذه المملح تسمية محلية هي المخايش ويستخدم ملحها كمادة حافظة للأسماك المصطادة.

وعُد استخراج الملح في اليمن خلال العصور الإسلامية من السلع التجارية الأساسية في تاريخ اليمن القديم، فقد ذكر العالم الألماني المختص بتاريخ اليمن القديم إدوارد جلازر Eduard Glaser (1855- 1908م) أن "التجار (مكر) قد اشتغلوا في العربية الجنوبية بتجارة الملح، فأخذوا يستغلون مناجمه، ويحملونه منها قوافل إلى الأسواق، ونظرًا إلى سعة هذه التجارة وإلى كثرة الملح المستخرج، ظهرت جماعة عرفت ب(زلا) (سلا) في لغة المسند، تخصصت بكيل الملح وتعبئته في الجوالق؛ لإرساله إلى الأسواق".

ورد ذكر الملح في العصور الإسلامية الوسطى، وأنه من السلع التي تنتج في اليمن خاصة في الصليف والمناطق الجغرافية القريبة منها، فـ"توجد في أدبيات القرون الوسطى معلومات عن استخراج الملح"، فقد ذكر الجغرافي أبو محمد الحسن بن أحمد بن يعقوب الهمداني (280 – بعد 336 هـ/ 893 – 948م) مواطن إنتاج الملح في تهامة واليمن بشكل عام، فقال: "فأما ملح اليمن فمن جبل الملح بمأرب، وملح بالقُمة من تهامة بناحية مور والمهجم، وكثير من مياه تهامة أملاح، فمنها المعجر والجبال والحويتية وجوّحلي وكل ما قارب الساحل جميعاً أملاح إلا اليسير"، وكل هذه المناطق الساحلية التهامية محيطة بالصليف، وقد تحدث الهمداني عن جبال الملح الصخرية في باطن الأرض فقال "جبل الملح وليس بجبل منتصب ولكنه جبل في الأرض يحفر عليه ويمعن في الأرض وهو يبقي منه أساطين تحمل ما استقلّ من تلك المحافر وربما انهدم على الجماعة فذهبوا وهو أرض لا نبات فيها فيحمل إليها الماء والزاد والحطب والعلف"، ويرد جبل القُمة الشهور بالملح والذي هو من المحيط الجغرافي بالصليف في تاريخ الدولة الرسولية (626 – 858 هـ/1229 – 1454م) ويعد أحد موارد الدولة وعليه والي من قبلها.