الشرعية حولت الجنوب من شريك إلى عدو وتحاول اليوم تكرار التجربة مع الإمارات.. دعم الحوثي شرعياً

السياسية - Saturday 24 August 2019 الساعة 11:25 am
عدن، نيوزيمن، تحليل خاص:

يجمع كل المراقبين للشأن اليمني على أنّ سلطة الحكم الانقلابية في صنعاء تجاوزت موضوعياً عمرها الافتراضي. وأنها بحكم منطقها الداخلي وأدائها العام تبدو مرشحة على الدوام للانهيار الذاتي حتى من قبل أن تسقط خارجياً، نظراً لفسادها وطائفيتها وإرهابها الممارس ضد المجتمعات التي تتسلط وتسيطر عليها بالحديد والنار.

ومع ذلك نجحت ميليشيات الحوثي في الصمود سياسياً وعسكرياً طيلة خمسة أعوام، رغم حصارها وعزلتها، ورغم اختلال موازين القوى العسكرية في مصلحة التحالف العربي والشرعية، بل ونجحت في آخر عامين بتجاوز محنها الداخلية بأمان من انتفاضة صنعاء التي قُتل فيها الرئيس السابق علي صالح، مروراً بمواجهات عمران، وأخيراً بانتفاضة حجور.

إنّ مشهداً ملتبساً كهذا يستدعي إعادة تحليل الصراع اليمني، وصياغة الأسئلة المناسبة للوصول إلى الإجابات الصحيحة.. لقد انشغلنا جميعاً بالبحث في الاتجاه الخاطئ عندما وضعنا السؤال بصيغته المضللة: لماذا صمد الحوثيون أمام الهزيمة الوشيكة؟

والأدق أن تكون صيغته على النحو التالي: لماذا فشلت الشرعية في تحرير بقية المناطق اليمنية؟؟ بل ولماذا فقدت الشرعية حضورها السياسي ومقبوليتها الشعبية داخل المناطق المحررة؟

وعوضاً عن الانشغال في الإجابة على هذه الأسئلة التي تمثل جوهر المعضلة السياسية في اليمن، وتفسر أسباب ما حدث سابقاً في صنعاء وما حدث لاحقاً في الحديدة، ثم ما يحدث حالياً في عدن والجنوب... تذهب النخبة الحاكمة والمحتكرة للشرعبة إلى صناعة أعداء جدد: تارة الانتقالي وتارة أخرى الإمارات، وتحاول استدعاء الدولة القائدة في التحالف العربي كي تنجز لها معاركها الجانبية دون أن تكلف نفسها حتى عناء مناقشة أخطائها أو الدفاع عن وجودها!!

الشرعية تحول الجنوب من فرصة إلى أزمة

إن أسهل طريقة لمقاربة "التمرد الجنوبي"، بحسب وصف الشرعية، يكون بتبني روايتها المختلة عن وجود مؤامرة خليجية لتقسيم اليمن، وهكذا تتجاوز الشرعية ثلاث حقائق أساسية سرعت من انهيارها الذاتي الذي توقعه الكثيرون لخصومها.

أول هذه الحقائق عجزها العسكري عن تحقيق أي انتصار حقيقي على الحوثي منذ تحرير الجنوب ومأرب، بل وتفريطها سياسياً بالانتصار العسكري الوشيك في الحديدة وفشلها أخيراً في إدارة اتفاق استوكهولم الذي جيره الحوثيون لمصلحتهم.

ثانياً، الإخلال بقواعد الشراكة السياسية سواءً مع الأحزاب التقليدية أو مع القوى الجديدة التي أفرزتها الحرب، مثل المقاومة الجنوبية، وفتح معارك جانبية مع شركاء التحالف العربي قبل الانتهاء من العدو المشترك.

وأخيراً، فشلها الذريع في بناء أي نموذج إيجابي خدماتي داخل المناطق المحررة، بل دأب محتكرو الشرعية على تقاسم موارد الدولة ومؤسساتها ووظائفها العامة كاستحقاق شخصي وأسري لم تعرفه حتى حقبة حكم صالح، ما كان يعني بالضرورة إسقاط ما تبقى من مؤسسات للدولة.

لقد تحول فساد السلطة المحتشم أيام صالح وبداية حكم هادي، إلى سلطة فساد سافرة لم تعد تبالي بمصالح الناس البسطاء أو استحقاقات الشركاء، وهكذا أفرزت الأحداث بدائل جديدة كان منها المجلس الانتقالي الذي لم يقم بشيء سوى تقديم نفسه كبديل ناجع عن السلطة الشرعية.

وبينما علقت وزارة الداخلية أعمالها في عدن لتتركها فريسة للفوضى، نظمت قوات الانتقالي مجهودها الأمني للحفاظ على سكينة العاصمة المؤقتة. وعندما قررت الحكومة معاقبة الناس في عدن من خلال منع المشتقات النفطية عن محطات توليد الكهرباء، قام الانتقالي بتوفير شحنة محروقات على حسابه تكفي لتوليد الطاقة الكهربائية لمدة شهر.

وحينما ذهبت سلطة الشرعية نحو تجميد جبهاتها مع الحوثي، وفتح جبهة أخرى أوسع مع الإمارات.. أكدت قيادة الانتقالي تأييدها لجهود الوساطة السعودية وتمسكها الاستراتيجي بقتال الحوثي.

هكذا يتضح لنا الفرق بين معارضة مسؤولة تبحث عن مكاسب سياسية وتكتسب نفوذها من خلال ملء فراغ السلطة، وبين فساد الشرعية الذي يبحث عن الآخرين كي يخوضوا عنه معاركه، بل ويظهر فجوره السياسي مع الحلفاء قبل الخصوم في حال رأى أي تهديد لمصالحه الخاصة وليس مصالح الناس العامة.

ومن هنا يجد الحوثي قوته ويستمد عناصر بقائه.. ومن هنا يبدأ أي مجهود حقيقي لإنهاء الانقلاب وتقويض النفوذ الإيراني في المنطقة، إذ إن الطريق إلى تحرير اليمن يبدأ بإصلاح الشرعية وتمكين الشركاء في الجنوب..