الدكتور حمود العودي يكتب: الثورة اليمنية 26 سبتمبر و14 أكتوبر جاءت لتبقى (2_2)

السياسية - Tuesday 15 October 2019 الساعة 10:40 pm
نيوزيمن، كتب/أ.د. حمود العودي:

ثالثاً: أين الحاضر الذي ينهار من المستقبل الذي يجب أن يكون؟

إذا كانت تلك هي مسيرة الثورة والجمهورية بما لها وما عليها فماذا عن واقع الحال المنهار؟ والذي يمكن قراءته الشفافية على النحو الآتي:

1) لا يلومنَّ عدوه من هو عدو نفسه

في سياق ما يمكن قوله عن واقع الحاضر المنهار كثيراً ما نسمع وتصم آذاننا وعيوننا أبواق المتصارعين بنا من أهلنا عن مؤامرات وعدوان أعدائنا علينا -كما يسمونهم- من اليهود والنصارى وأمريكا وإسرائيل في المقدمة، وأنهم سبب بلائنا وتخلفنا بل وقتلنا وخراب ديارنا، وما علينا إلا أن نزيد من دعواتنا عليهم قبل وبعد كل صلاة "اللهم أحصهم عدداً، واقتلهم بدداً، ولا تغادر منهم أحداً"، ودون أن يتذكر أحد أننا نحن من نقتل وندمر أنفسنا بأنفسنا قبل غيرنا، كمجرد أدوات رخيصة بيد غيرنا ممن نسميهم "أعداءنا" ونحن أعداء أنفسنا بالدرجة الأولى، بعد أن جعلنا -كذباً- من الثورة والجمهورية انقلاباً خطيئة خرجت بالأرض عن طاعة السماء، ومن الوحدة سُبة، والديمقراطية بدعة، ومن القتل وسفك دماء بعضنا -في حرب عبثية مدمرة أعراساً وزغاريد- ومن إزهاق الأرواح البريئة تقرباً للشيطان لا إلى الرحمن الحق كما يدّعون، ومن حق الناس في امتلاك أمرهم، كما أمر الله، حقاً إلهياً للبعض دون غيرهم كذباً على الله باسم السماء! أو تملكاً وراثياً بالإكراه من الأرض من دون الناس!!

الدكتور حمود العودي يكتب: الثورة اليمنية 26 سبتمبر و14 أكتوبر جاءت لتبقى (1_2)

أفلا يكون في كل هذا الذي ينهار -معه وبه- كل ما تحقق، ليس في حاضر الثورة والجمهورية في اليمن فحسب، بل وحاضر الأمة كلها، ما يجعل منا أعداء لأنفسنا أكثر مما يمكن أن نتهم به أعداءنا المفترضين من الأخوة "الأعداء" أولاً ومن اليهود والنصارى، وحتى من لا دين له ثانياً.. والذين، أُقسم أنّهم لو كانوا هم من يملكون السلطة المباشرة علينا، لما فعلوا بنا ما يفعله ساستنا من أهلنا وأبناء جلدتنا، والذين وجد فيهم أعداؤنا المفترضون من القدرة على الفعل المدمر لنا ما لا يقوون هم على فعله، بل ويمنعهم حياؤهم وأخلاقياتهم عن القيام به.

2) عدو عاقل خير من شقيق جاهل

نعم صدقت الحكمة القائلة "عدو عاقل خير من صديق أو أخ جاهل" وعلى من يكذِّب أن يقرأ التاريخ المنظور على الأقل، فيما كان يفعل بنا المستعمرون الغرباء بالأمس القريب، وما يفعل بنا المُحرِرون اليوم، بدءاً بما تفعله إسرائيل بمن تحت سلطتها من الفلسطينيين داخل الخط الأخضر مقارنة بما فعلناه نحن بهم خارجه؛ في أيلول الأسود في الأردن و"صبرا" و"شاتيلا" في لبنان، وإذا كانت إسرائيل قد بنت الجدار العازل من الإسمنت فوق الأرض فقد بناه مبارك من الفولاذ تحت الأرض؛ بل وما الذي يفعله الفلسطينيون بأنفسهم من الصراع والفرقة؛ بل وماذا فعله ويفعله ساسة هذا الزمن العربي الرديئ بأنفسهم وبشعوبهم في سوريا والعراق ومصر وليبيا.!!

بل وما الذي نفعله نحن بأنفسنا اليوم في اليمن وفي عدن الحبيبة -على سبيل المثال لا الحصر- التي تحولت من قبلة لتنَفُّس الحياة والحداثة والتعايش لأكثر من قرنين من الزمن في ظل الإدارة الاستعمارية وحتى الاستقلال والوحدة المباركة، إلى ساحة ميليشيات أشاعت الفوضى والخراب والدمار والاقتتال بين شمالي وجنوبي، "ويافعي" و"أبيني" و"ضالعي"، و"شبواني"!

وكذلك هي صنعاء الثورة والجمهورية والتاريخ، واليمن بشكل عام التي صارت "قسمة ضِيزى" بين زيدي وشافعي وسني وشيعي وحاشدي وبكيلي وجبلي وتهامي، و"سنحاني" و"خولاني" و"زنابيل" و"قناديل" و"دواعش" و"روافض"...الخ!! أفلا يجدر بمن هو عدو نفسه على هذا النحو، أن لا يلوم أعداءه على ما يفعلون به، قبل ما يلوم نفسه على ما يفعل هو بنفسه!!
وصدق الشاعر الحكيم إذ يقول:
وظلم ذوي القربى أشد مرارة
على النفس من وقع الحسام المهندِ

بل وصدق الثائر القردعي إذ يقول:
غبني بالاغبان مَحَد يحصى اغباني
هو شيء معيا شوامخ ناس مغبونه
كل يبي يمضى الهوجاء على الثاني
وانتم سواء تحت هِجّ أعوج تجرونه

وصدقت نبوءة البردوني إذ يقول:
يمانيون في المنفى
ومنفيون في اليمنِ
جنوبيون في صنعاء
شماليون في عدن
ترقى العار من بيع
إلى بيع بلا ثمن
ومن مستعمر غازٍ
إلى مستعمرٍ وطني

أما الأصدق.. فشاعر الثورة صالح سحلول القائل قبل أكثر من أربعين عاماً مضى:
غبني وغبن امي وغبن المره
على الأوامر والإماره
غبني على القرطاس ذي نخسره
غبني على ختم الإداره
في حي ما يعشق سوى المَزمَرَه
والزومله قد هي شعاره


رابعاً: ثورة 26 سبتمبر و14 أكتوبر جاءت لتبقى وتتطور؟

في هذا البند الرابع والختامي من مقالتنا هذه -بمناسبة العيد السابع والخمسين لثورة سبتمبر والسادسة والخمسين لثورة أكتوبر- لن نجد من بداية للحديث فيه أهم من إضافة إلى التأكيد -بإيمان ويقين- أن التاريخ لن يعود إلى الوراء؛ أو يتجمد في مكانه؛ ولنؤكد ما بدأنا به مقالتنا هذه بأن ثورة 26 سبتمبر 1962 وثورة انطلاقة التحرير في 14 أكتوبر 1963 -وحتى الاستقلال في 30 نوفمبر 1967 وصولاً إلى الوحدة 1990م– هي ثورة الشعب اليمني ضد الاستبداد والاستعمار والتجزئة، والتي جاءت لتبقى وتتطور ك{كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَآءِ}، وأن كل الكلمات "الخبيثة الناعقة" اليوم؛ مثلها {وَمَثَل كَلِمَة خَبِيثَة كَشَجَرَةٍ خَبِيثَة اُجْتُثَّتْ مِنْ فَوْق الْأَرْض مَا لَهَا مِنْ قَرَار}..

وحسبنا في ذلك الوفاء والإيمان بقضية كل الأوفياء والشهداء والشرفاء في مسيرة الثورة ضد الإمامة الظالمة والاستعمار البغيض، والتجزئة المقيتة، بدءاً من آل الوزير واللقية والعلفي والكبسي والوريث والمطاع والثلايا وعبدالله ابن الإمام والعباس وإبراهيم والموشكي وجميل جمال من شهداء ثورات 1948 و 19...و 1961 وحتى علي عبدالمغني وأحمد الكبسي ولبوزة ومدْرم وعبّود، وغيرهم ممن قضى نحبه ومن ما يزال ينتظر من شهداء وأبطال ثورة السادس والعشرين من سبتمبر 1962 والرابع عشر من أكتوبر 1963؛ لأن التاريخ لا يسير إلى الوراء، وإذا كانت صولة الباطل ساعة؛ فإن صولة الحق إلى قيام الساعة، وصدق الله العظيم القائل {فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً ۖ وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ} صدق الله العظيم.

خامساً: ختاماً.. رسالة نُصْح:

1) رسالة "لأنصارِ الله" الحوثيين.. العقل زينة

وهي إلى من تبقى من عظماء وشرفاء وإلى أبناء وأحفاد أول المسيرة النضالية للثورة والجمهورية والوحدة، وأولئك العظماء ممن قد غادرونا إلى ذمة الله بصفةٍ عامة -ومن يُعرفون منهم "بالهاشميين" على وجه الخصوص- ممن قد أصيبوا اليوم بلوثة "جنون" المذهبية والطائفية، وادعاء الحق الإلهي -كذباً- في السلطة والثروة من دون الناس بالباطل!! بأن لا يتقيأوا على دماء وتاريخ آبائهم وأجدادهم الطاهرة، الذين أبوا على أنفسهم السقوط في مستنقع الجهل والتخلف -الذي نذرت له الإمامة الملكية المتخلفة حياتها من أجله -وقَتَلَت حتى أقرب الناس إليها بسببه، وأن تعلموا أن أمر المسلمين حق لهم جميعاً بمقتضى قوله عز من قائل: {وأمرهم شورى بينهم} لا لأحد منهم دون غيره! وأن محمد "عليه الصلاة والسلام" -وبنص كتاب الله- {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ}، وأن الإمام زيد بن علي "رضي الله عنه" هو صاحب الرأي المُعتزلي الصريح بأن "الإمامة هي في الأفضل أو الفاضل من المسلمين" ودفع حياته ثمناً لذلك، وأن حق "البطنين" لا يعدو كونه اجتهاداً غير صائب من "الهادوية" و"الجارودية" في اليمن، والتي لا علاقة لها لا بزيد ولا الزيدية، وأن غلوّكم اليوم بما هو أبعد من الزيدية وأسوأ من اجتهاد "الهادوية" من جلب أفكار غلاة الإثنى عشرية وخرافة المهدي المنتظر "ظاهراً" ومن خلفها مشروع "إمبراطورية" نار فارس في اليمن والوطن العربي "باطناً وحقيقة"، وفي الألفية الثالثة -وزمن هندسة الوراثة وتكنولوجيا النانو والشبكة العنكبوتية- هي عملية انحدار فكري وارتداد حضاري؛ علينا وعلى ديننا الحق وتاريخنا، وإساءة بالغة لتضحية الآباء والأجداد.

ومع ذلك وبالرغم منه فإن من حق كل إنسان أن يعتقد ما يشاء وبما يشاء وكيفما يشاء، إلا أنه ليس من حقه أن يُكره غيره على دينه أو مذهبه أو عقيدته كما تفعلون في بيوت الله، لأن الله -الخالق لكل شيء والقادر على كل شيء- لم يُكره أحداً على دينه الحق، فكيف لكم أن تكرهوا الناس على عقيدتكم ومذهبكم بالباطل!! إنه الجنون الذي يتوجب معه العودة إلى العقل والصواب قبل حدوث ما هو أخطر وأسوأ مما قد حدث ويحدث، والعاقل من اتعظ بغيره؛ وما أكثر العبر وما أقل الاعتبار؛ وإذا كان الرجوع إلى العقل فضيلة فإن "العقل زينة".