حياة الناس اليومية في اليمن بين كل الجن المحلقين علينا من كل شق، مغامرة كبيرة تستحق الإجلال والتقدير، ولايزال لدينا وسط كل هذا الخراب شعب يناضل من أجل شربة الماء ومن أجل أربع ساعات متواصلة من الكهرباء، ومن أجل راتب بات في حكم الغيب.
المغامرة في مواصلة العيش والتكاثر بين الألغام وخنادق الموت رغبة لاتهزمها الحروب في بلد عتيق مثل اليمن الذي كلما عصفت به المحن يصمد كآخر ضمار لأمة صابرة تتعافى من الجروح كلما تعافت العقول، وكلما تخففت من الخرافات تذهب سريعاً إلى المستقبل.
العقول المريضة بالسلالة وبالولاية وبالخلافة العثمانية لايعرفون أسرار بلدهم العظيم، ويهدرون الطاقات والثروات في حروب عبثية وهبلا لا تبني مجداً ولاتساعد أمة في الوقوف على أقدامها، مع أنه لو واحد من هؤلاء الذين يتحاربوا عشان يحكمونا استخدم الثروة والطاقات للبناء وللحاق بالعالم لشاهدنا بلادنا خلال ظرف وجيز وهي في القمة، ولكانت اليمن الآن أفضل من تركيا التي يتغنون بها ليل نهار، وأفضل من إيران التي تزايد بقضيتنا، وأفضل ألف مرة من قطر الصغيرة.
ضمار اليمنيين الكبير هو أن بلادهم عريقة وثرواتها كثيرة وإنسانها مطواع، وخسران اليمنيين الدائم هو أن اللي يتربعوا على كراسي السلطة هم في الغالب وفرة من الجهلة وكومة من اللصوص الذين يعتاشون من معاناة الناس ويتاجرون بأحلامهم العصرية، وفي كل الأحوال، كل الظروف الحالية في اليمن خطيرة وكل الأطراف المتصارعة متورطة بجعل الحياة أمام الناس صعبة وقاسية ومليئة بالمكابدات اليومية المحبطة والمقرفة.
وحتى الكتابة عن الأوضاع التي نعيشها أصبحت مادة متكررة ومملة إلى حد كبير، لأننا أصلاً نعيش أحداثاً متكررة لنفس الشخوص ونفس الوجوه ونفس المشاكل التي أرقتنا وطرحتنا أرضاً منذ أن تدحرجنا إلى الحياة. شخصياً من يوم وعيت على الدنيا وأنا أخوض صراع البقاء مع نفس الأفكار التقليدية ومع نفس القوى الظلامية التي لاتريد لشعب اليمن العيش الكريم، وفي كل منعطف خطير هناك إرادات قمعية وقيادات صنمية كلما حاولنا الخلاص منها والذهاب إلى الضوء، تجرنا أدواتها المتكاثرة ثانية إلى أسفل سافلين، ولكنها لاتنجح في البقاء كثيراً، ولا تستمر، لأن في اليمن شعباً كبيراً وعريقاً، وهذا هو ضمار اليمنيين العظيم.