د. عيدروس نصر
ماذا يريد الأشقاء من المجلس الانتقالي؟
الدعوة الكريمة التي وجهتها قيادة المملكة العربية السعودية الشقيقة للأخ اللواء عيدروس الزبيدي، رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي، جاءت في وقت تختلط فيه الكثير من الأوراق وتتداخل فيه العديد من الملابسات مما يضاعف المخاطر المحيطة بالمشهد السياسي والعسكري والأمني في المنطقة ويزيده تعقيداً والتباساً.
لن نحتاج كثيراً لاستعراض التراجعات المتواصلة التي شهدتها الساحة بدءاً بالانتكاسات العسكرية لقوات "الشرعية" وسيطرة الجماعة الحوثية على كامل محافظتي الجوف والبيضاء ومعظم مديريات محافظة مأرب، ووصول الحوثيين إلى محافظة شبوة، مروراً بالأزمة المعيشية والإنسانية الناجمة عن فساد السلطة (الشرعية) والتهاء قادتها بالعبث المالي والسياسي، وسرقة الثروات والعائدات والإعانات، وصولاً إلى عجز السلطة عن دفع مرتبات الموظفين والمتقاعدين، في ما يعتبره البعض حرباً معلنة على أبناء محافظات الجنوب عقاباً لهم على تمسكهم بعدالة قضيتهم الجنوبية واستعادة دولتهم.
السؤال هو: ماذا يريد الأشقاء في التحالف وفي المملكة على وجه الخصوص من دعوة رئيس المجلس الانتقالي والوفد المرافق له لزيارة المملكة؟
هل القصد هو استكمال تنفيذ اتفاق الرياض؟
أم أن هناك مبادرة جديدة مما يجري تسريبه في ضوء تحركات المبعوثين الأممي والأمريكي في عواصم المنطقة، بما في ذلك العاصمة الجنوبية عدن؟
هل ستتوقف المباحثات على الأزمة الإنسانية في الجنوب وحرب الخدمات والتجويع التي يتعرض لها الشعب الجنوبي من قبل السلطات الشرعية؟
أم أنها ستعالج جذر القضية وأسباب الأزمة في ثنائية الشمال- الجنوب، وهي القضية الجنوبية ومطالب الشعب الجنوبي باستعادة دولته وخروجه من دائرة التبعية وسياسات الضم والإلحاق الممتدة منذ ثلاثة عقود؟
بعيداً عن التخمينات والتمنيات لا بد من إيضاح مجموعة من الحقائق المتصلة بأزمة العلاقة بين ثنائيات "الشرعية والانتقالي"، "الشمال والجنوب" ، "الوحدة الاندماجية ووضع الدولتين":-
1. وسنبدأ من الأخير، فالحديث عن وحدة اليمن، لم يعد له أي معنى بعد كل الفشل والإخفاق والدمار والخراب الذي تعرض له مشروع الوحدة وفكرة الوحدة، وشعار الوحدة، وبعد الآلام الناتجة عن الحروب والغزوات المتكررة التي تعرض لها ويتعرض لها الجنوب، بدعوى "الحفاظ على الوحدة" التي ماتت وشبعت موتاً في العام 1994 من ثم جاءت حرب 2015م لتؤكد استحالة بقائها، وبالتالي فمهما كانت البدائل المطروحة، فإنها لا يمكن أن تصمد أمام عوامل الفشل التي أثبتت رسوخها على الأرض وفي العقول والسياسات والمواقف لدى معظم إن لم يكن كل النخب السياسية اليمنية.
2. ومن هذا المنطلق فإن ثنائية الجنوب والشمال هي ثنائية راسخة على الأرض ولا يمكن شطبها أو استبعادها ليس فقط بسبب النزعة الإلحاقية والاحتلالية لدى النخب السياسية الشمالية تجاه الجنوب، بل يضاف إليها أسباب تاريخية وثقافية وجغرافية وديموغرافية تجعل الحديث عن يمن واحد أشبه بالحديث عن أمجاد يمكن أن يصنعها ذلك الميت الذي فارق الحياة منذ عقود ولكن محبيه يأبون الاعتراف بموته لأنهم يطمعون في استغلال اسمه لمزيد من الكسب المادي والمعنوي.
ولن نغوص في المزيد من التفاصيل في هذه الحقيقة، لكننا نؤكد أن البديل الوحيد القابل للبقاء والحياة في العلاقة بين الشعبين الشقيقين في الشمال والجنوب، هو العودة إلى وضع الدولتين الشقيقتين الجارتين المتعاونتين والمتعايشتين، وهذا الوضع يمكن أن تبنى في ظله شراكات ثنائية لا حصر لها بين الدولتين، تبعا للمصالح المشتركة بين الشعبين، وهذا ما ينبغي أن يدركه الشركاء من الأشقاء والأصدقاء.
3. إن سير الأحداث على الأرض قد أزاح اتفاق الرياض إلى مؤخرة الاهتمامات والهواجس، فالطرف الممثل للشرعية قد عمل كل ما بوسعه لعرقلة تنفيذ الاتفاق، واضطر وفي سبيل إرباك المشهد إلى التخلي عن ثلاث محافظات شمالية ويستعد للتخلي عن المحافظة الرابعة، محافظة شبوة (الجنوبية)، حتى لا يسمح بتنفيذ اتفاق الرياض، وهو ما يعني أن هذا الطرف (الشرعي) لا يجد له مصلحة في تنفيذ اتفاق الرياض.
أما الطرف الجنوبي وهو من قدم التنازلات في صفقة اتفاق الرياض فقد عمل كل ما عليه، وبعد كل ما قدمه الشعب الجنوبي، وبعد كل ما عانى ويعاني من سياسات التعذيب الممنهج من خلال تدمير الخدمات ونهب المرتبات والعبث بالموارد، فإن من حق الطرف الجنوبي أن يعلن الحداد على "اتفاق الرياض"، ويبحث عن بدائل أخرى.
وفي هذا السياق فإن أولى الأولويات هي تسخير موارد الجنوب لإنقاذ أبناء الجنوب من المجاعة التي تهددهم بموجب تقديرات وتحذيرات العديد من المنظمات الدولية.
4. إن الطرف الجنوبي لم يعد لديه من التنازل ما يقدمه أكثر مما قدم في توقيع اتفاق الرياض وقد رأينا المواجع التي جناها الجنوبيون، ومن أجل إبقاء الجنوب طرفا في صراع الشرعية والانقلاب اليمنيَّيْن بلا أي طائل.
من هنا فإنه لا بد من البحث عن تسوية جديدة تستجيب للمتغيرات الجارية على الساحة، وهو ما يجعلنا نؤكد أن حق الجنوبيين في استعادة دولتهم يبقى حقا أصيلا لا يقبل النقاش والتسويف أو المماطلة، لكن ما يمكن مناقشته والاتفاق عليه بين الطرفين الجنوبي والشمالي بمشاركة الأشقاء والأصدقاء ورعايتهم هو كيفية الوصول إلى هذا الحل بالتوافق والحوار وبالوسائل السلمية والأخوية بين الشعبين.
وفي هذا السياق نرى أنه يمكن الاتفاق على قيام حكمين محليين في الجنوب والشمال تحت سلطة وقيادة الرئيس عبد ربه منصور هادي دون سواه، كمرحلة انتقالية على طريق الحل النهائي للقضية الجنوبية وفقا لإرادة الشعب الجنوبي، بحيث تتولى سلطة الجنوب الإشراف على إعادة الإعمار وتوفير الخدمات الضرورية لمحافظات الجنوب، وتتولى سلطة الشمال مهمة تحرير محافظات الشمال من الهيمنة الحوثية من خلال توحيد كل الممكنات العسكرية الرسمية والشعبية باتجاه مواقع المواجهة حتى استعادة صنعاء ورفع علم الجمهورية في جبال مران.
وسيكون على الجنوبيين دعم الأشقاء الشماليين في نضالهم من أجل التحرر والتخلص من المليشيات السلالية المدعومة من إيران كما هو الوضع اليوم في الساحل الغربي ومأرب، حيث تخوض القوات الجنوبية معارك ضارية في مواجهة المشروع الإيراني وستكون عاملا مهما في هزيمة هذا المشروع في الشمال كما كانت في الجنوب منذ العام 2015م.
إن الشعب الجنوبي من أقصاه إلى أقصاه يتطلع إلى النتائج التي سيعود بها رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي من الرياض، ويراهن الشعب الجنوبي على إدراك الأشقاء في التحالف بأن الرهان على حلفاء مصالحهم مع الحوثيين أكثر من مصالحهم مع التحالف العربي قد أثبت فشله وهو ما يقتضي تعديل الرهانات وتحسين الخيارات بما يحقق الأهداف التي من أجلها جاء التحالف العربي وانطلقت عاصفة الحزم الرامية إلى استعادة الدولة اليمنية بمساحتها وحدودها المتعارف عليها دوليا منذ توقيع اتفاقية الطائف في منتصف ثلاثينيات القرن الماضي.
*من صفحة الكاتب على الفيسبوك