لم يعد في حسابات الناس ما يحملهم على الصمت إزاء أي تجاوزات أو اختلالات تمس حياتهم.
وكان ينبغي أن تؤخذ أهمية عدن ومحوريتها وخصوصيتها بعين الاعتبار وأن يتحلى رجال الأمن فيها بدرجة عالية من الانضباط والنزاهة والإحساس بالمسؤولية.
ندرك ماذا يعني غياب الدولة وعدم فاعلية المؤسسات وانعكاساتها على وضع عدن خاصة، لكن شيئاً من ذلك لا يبرر عدم تصحيح هياكل الوحدات الأمنية وتنظيم عملها ومهامها وانتشارها وضبط سلوك قادتها وأفرادها في حدود صلاحياتهم.
كما لا ينبغي السماح لأي تجاوزات أو زلات "يرتكبها البعض" أن تمر دون ردع حقيقي ليس فقط مراعاة للتحديات الكبيرة التي تفرزها تداعيات الحرب وطموحات الجنوب وإنما باعتباره إجراءً قانونيا وأخلاقيا.
هناك تخوفات مشروعة عند كثير من الناس، بعد أن جهروا بالشكوى مرات ومرات، بأن تغفل القيادات الجنوبية السياسية والميدانية وتطيل غفلتها عن احتمال تشكل مراكز قوى في الأجهزة الأمنية والعسكرية وحتى في المؤسسة السياسية والإعلامية وتصبح حالة مستعصية على العلاج.
فما يزال المشوار طويلا وما تزال عدن تحت المجهر المحلي والإقليمي والدولي.
ولهذا فإن أي كبوة أو كبوات ستعرض قبل كل شيء القضية الجنوبية لهولوكست إعلامي وسيتضاعف حجم نتائجها ومفعولها السلبي في نظر الجميع ويعتبرها الأصدقاء قبل الأعداء معيارا يقاس عليه.
ربما لا يدرك البعيدون في أرض الله الواسعة -مثلنا- كثيراً من التفاصيل، لكن هناك مسائل بديهية وهناك أحداث تكررت حتى تكونت صورة في الوعي الجنوبي بأن خللاً ما يستشري ويجب تحجيمه وإيقافه ومعالجته وقد طال السكوت عنه (جداً).
في الوقت الذي يصارع الأمل كل عوامل الشدة كي يصبح أفقا نابضا بالحياة ليس في الخطاب ولكن في عقول الناس ووجدانهم وأفئدتهم.
هناك تضحيات قدمها رجال الأمن الشرفاء وهناك إنجازات خلال السنوات الماضية، لكن كل ذلك يتلاشى ويُنسى حين يشعر المواطن العادي في زحمة المعاناة اليومية بأن الاقتراب من رجل الأمن لا يحسسه بالأمان وأن سلوك البعض منهم يمكن أن يجلب المخاطر على حقوق وسلامة المجتمع.
ومن زاوية أخرى ينبغي معرفة أن هناك قراءات محلية وخارجية تعتبر وحدات الأمن في عدن مجرد مجاميع مسلحة (مفككة).. وسوف يتم بالطبع وضع أي أحداث سواء كانت مواجهات أو السطو على حقوق الناس في هذا السياق.. فماذا بعد؟
بالتأكيد القول أسهل من الفعل لكن النقد الواعي مهم للغاية لإصلاح الخلل بدلاً من أن تساق مبررات هنا وهناك ويصبح المجتمع جاهزا للتعامل مع التوظيف السياسي الذي ربما يأتي على هوى شرائح شعبية تعتبر بعفويتها أن ما تشهده عدن بين حين وآخر ليس سوى دليل لمستقبل يحرك فيها كثيرا من الشجون والظنون وتصبح النخب الجنوبية عاجزة أن تجد ما يثبت العكس.
حينها تكون عدن قد خسرت واحدا من أهم شروط عودتها عاصمةً جنوبية قوية مستقرة ومتماسكة بذاتها ومع محيطها.
لقد حان الوقت أن يتدارك القادة الجنوبيون بعض الملفات الداخلية من خلال البدء بمراجعات موضوعية وإجراءات عملية بعيداً عن الإعلام وعن الأصوات التي تبث الرتابة وخطاب المداهنة وتسعى لاستلاب إرادة الناس الواعية بضرورة التغيير.
يدرك الكثيرون حجم الأعباء الملقاة على عاتق القيادات التي تتصدر المشهد الجنوبي والإنجازات المختلفة والهامة التي تحققت في ملفات عدة إلا أن الفضاءات ما تزال حتى اللحظة تؤلف آفاقاً مجهولة.
لذلك فإن التزود بالحيوية السياسية لاستيعاب التحديات وإعداد الذات للمتغيرات أمر بالغ الأهمية.
كما أن حضور القيادات مجتمعة على الأرض وبقاءها في عاصمة القرار الجنوبي بصورة مستدامة يعد شرطاً رئيسا للعمل ولمعالجة الأوضاع وترتيب البيت الداخلي خاصة وأن الحرب تدخل عامها الثامن ولا معطيات حقيقية تحمل طمأنات لأي جهة، بل إن عام 22 شهد بدايات ساخنة وربما يحمل المزيد من المفاجآت.