في أحد مخيمات النازحين، وجدت قبل أعوام امرأة فوق ال45 من عمرها، ما زلت أتذكر ملامحها وتفاصيلها.
كانت وحيدة، لا تملك بطاقة، وليس لها بعد الله إنسان.
نازحة من تعز في أحد مخيمات النازحين على حدود المدينة، كان لها أبناء لا تعرف عنهم شيئا منذ سنوات.
ولأجل حياتها قبل أن تكون نازحة تزوجت برجل كي يعيش معها وتعيش معه، تزوجته بدون رغبتها، فقط لتكمل حياتها مع أي إنسان، سكنت معه في دكان على أحد الشوارع الرئيسية.
كانوا يتمكنون من توفير لقمة عيشهم، مع إيجارهم، طيلة شهور وشهور، لكن أحوالهم تغيرت بعد ثمانية أشهر، لم يتمكن زوجها من توفير الإيجار، لشهر وشهرين وثلاثة، ومالك الدكان يطالبهم بمستحقاته، ليصل زوجها لحالة من التوتر والضيق، ومن شدة عجزه تركها صباح أحد الأيام وغادر، دون أن يخبرها بشيء.
فقط تركها ورحل، لتبقى بعده وحيدة مجددًا، حاولت فعل شيء لكنها عجزت، ثم غادرت دكانها إلى مخيم النازحين.
تحدثت معها في أكثر من مرة، كانت تتحدث عن حالها، ومصيرها ووحدتها، وكيف أن الجميع تركها: ليس لي أحد، الكل تركوني، وزوجي غادر من جواري دون أن يودعني، هذه حكايتي.
كشجرة لم يعد لها جذور وأوراق، بملامحها العاجزة ونظراتها ولهجتها الريفية البسيطة، بحديثها عن ظلم المكان، وجور الزمان، دون أحد، دون شيء تعيش في سبيله، دون رغبة تبقيها على قيد الحياة.
كانت تتحدث مع الآخرين بمخيمها الأخير، امرأة في الخامسة والأربعين من عمرها تحمل هموم العالمين في رأسها، تتذكر ماضيها، وتتخيل طفولتها، وتسرد الحكايات والذكريات، والداها المتوفيان، زواجها الأول، أحلامها القديمة، ذهبت جميعًا وبقيت امرأة وحيدة ومتروكة، بلا قريب ولا معين.
وعند كل صباح ومساء بقيت تنتظر طعامها، ومن يتصدق عليها، ومعهما تنتظر القدر عله يتذكرها ويأتيها بإنسان يحمل عنها ما يمكنه من همومها ودمارها.
قد لا تعلمون ما يعني أن تكون حياتك في مخيم نازحين، أن تكون أحد المشردين، هناك، لن يكون في عالمك شيء من الحياة وطقوسها أو نفحات من المناسبات والأفراح.
حياتك في مخيم مجرد انتظار وانتظار وانتظار وخوف وهروب من المصير.
*من صفحة الكاتب على الفيسبوك