هذه الحرب لن تنتهي وهذه البلاد الملتحفة بالأوجاع لن تكون سعيدة في القريب على وجه اليقين.
هناك مناحة جماعية يصل صداها عنان السماء لكنه لا يسمع في أصقاع الأرض، فالعالم يغلق سمعه ويعصب عينيه، يراوغنا بمؤتمرات المانحين في كل عام، يهب فتات المعونات المالية من الباب ويسرقها من شبابيك المنظمات.
أعمارنا تحصد قبل الأوان، وتقاس عبر خارطة الألم ثلاثين حزنا، أربعين وجعا وخمسين جرحا، وسنوات حرب وطفولة شقاء وفيضانات قهر ومرض وجوع ومواسم هجرة.
هذه الحرب لن تنتهي..
لأننا نقاوم أخطر مشروع مر في تاريخ اليمن قديمه وحديثه، بقلبه الفارسي وبزته السلالية.
نقاوم هذا المشروع فرادى، بلا رئيس وبلا حكومة وبلا جيش وطني.
هذه الحرب لن تنتهي، إلا وقد شاخت أحلام أطفالنا، وهرمت أجساد شبابنا، وكنا في طي الغيب، نشكي للقدر ونعاتب القضاء، أحلامنا أصبحت متواضعة، "أمن وكسرة خبز" كانت هي واقعنا منذ عشر سنين فباعدنا بين أسفارنا، وتمزقنا كل ممزق حتى أصبحنا مثلا في العالم وحديثا يوميا، تشفى الناس بنا وقالوا "يداك أوكتا وفوك نفخ".
هذه الحرب لن تنتهي..
كل الأدلة تسوقك إلى هذا الفهم، دون جهد شاق ولا عناء كبير، شهوة السلطة والحرب تسكن القابضين على الأمر فيعملون جاهدين أن تبقى الحرب ممتدة إلى ما لا نهاية، رواتبهم بالدولار وكيف يرضى من يأخذ خمسة آلاف أو عشرة آلاف دولار أو أكثر أو أقل أن يعود اليمن كي يأخذ ثلاث مائة ألف ريال يمني وهي تساوي مائتي دولار؟!.
هؤلاء المسؤولون فرحون بهذه الفرصة التي لم تخطر على بالهم يوما، يعبرون من سراط الدم وكأنهم على البساط الأحمر الذي يشتهون، وجدوا في الحرب مستقبلهم ومستقبل أبنائهم وقصور الملوك وحياة الفارهين.
الحرب بالنسبة لهم باب رزق واسع، وجنة مستعجلة، وتجارة دون عناء، لا خسارات فيها ولا رأس مال.
هذه الحرب لن تنتهي..
كانت شبوة آخر ما لدينا وتوقفنا عند تخوم مأرب وطرلبت تعز، وتم تسوير الحديدة باتفاق أممي لصالح الحوثيين إلى أجل غير مسمى.
هذه الحرب لن تنتهي..
كل شيء فيها مكرور، تكرر تفاصيلها، نفس المواقع نفس أسماء الجبال والوديان والتباب والشعاب، نفس المحللين والمتحدثين، يكررون أسماء المعارك في زوايا وتخوم الجبال والمناطق، ويجترون ذات السياق، نفس العبارات والتوقعات بالحسم والنصر القريب، فلا يكون، لأنه لا جديد في المعارك مكانا أو نتائج.
هذه الحرب خاسرة، خاسرة بكل مقاييس الدنيا والآخرة، كان ينبغي حسمها في عامها الأول، وبحسب فيلسوف عسكري، "فإن كل حرب لا تحسم سريعا لا تنتهي سريعا أبدا إلا بعد دمار شامل للأرض والإنسان".
شعوب العالم حفظت أسماء ودياننا ومديرياتنا رغم صعوبتها وعسر هضمها وتلون تشكيلات حروفها، لكن وبسبب هذه الحرب المكرورة شكلا وتفصيلا أصبحت أسماء شعاب وجبال ومواقع الحرب متداولة كلندن وباريس وبيروت.
العالم يُعرف بنفسه عن طريق السياحة ودعايتها ونحن نعرف بأرضنا وجبالنا الشاهقة الجميلة وتضاريسنا المتنوعة عن طريق الحروب.
هذه الحرب لن تنتهي..
ذلك أن نفس القادة والمستثمرين من يشرف على أغلب تفاصيل الجبهات ويمسكون بالقرار العسكري والسياسي.
وفي وسط هذا الركام يذهب القادة المغاوير المخلصين وجهودهم سرابا في أودية الإقصاء والتهميش أو سيل المؤامرات أو الاغتيال والتصفية وغالبا ما نشاهدهم شهداء، بينما يتصدر معظم القادة المنحدرين من وسط غير عسكري أو عسكري برتبة مقاول القرار على طريقتهم.
منذ ثماني سنوات نفس الأسماء من تتحكم بمصير الجيش، ذات الأسماء مع اختلاف في حجم البطون والأرصدة، والنياشين، يتم تدويرهم بطريقة تدوير النفايات لكن لا تغير في الإنتاج.
هذه الحرب لن تنتهي..
ذلك أنه يتم تصفير عدادها لتبدأ من جديد.
لا أحد قادر على الحسم والإنجاز، فقط يتناقص عدد الشعب اليمني ويزداد المعاقين والجرحى، والفقر والجوع، وتزداد تجارة الحرب.
هذه الحرب لا تنتهي، وهي ممتدة بلا أفق وخلال سنوات الحرب في اليمن تشكلت مافيا حرب تمتد في معسكر الحوثيين والشرعية في آن واحد.
ومع غياب الدولة أتيحت فرص كثيرة للكسب غير المشروع خاصة لمن يمسكون بقرار الحرب وتوسعت مساحات النهب والاستيلاء على مداخيل الدولة إلى أيدي متنفذين وقيادات عسكرية غالبا من قيادات الحوثي والإخوان، وهوامير أخرى لهم مزايا عابرة لكل الموانع والقوانين، وكذلك المتنفذون في الحكومة في قطاعات مختلفة كالنفط، والمالية، ومؤسسات القطاع العام والمختلط.
وفي ظل وضع كهذا أصبح موضوع الحسم العسكري ليس مطروحا لدى القوى الفاعلة على الأرض والتي تقوض كل جهود التحالف للدفع باتجاه الحسم.
هذه الحرب لن تنتهي...
فميلادها يتجدد وعقودها تجدد.
غالب الظن هناك عقد جديد يمتد لعشر سنوات قادمة، ستبقى الحرب وستبقى هذه التجارة المكتملة الأركان وليس بعيدا عن هذه الحرب وتجارتها المجتمع الدولي.
فأمريكا وحدها تعقد عشرات الصفقات في الخليج لبيع السلاح والموارد الأمنية والمعلوماتية.
هذه الحرب مصدر رزق حقيقي لأمريكا وشركات السلاح والتموين والشركات الخدمية أيضا وهذا يزيد الأمر تعقيدا ويكشف سر التقاعس الأمريكي والدولي عن أي ضغوط حقيقية أو مساعدة في تجفيف منابع الحرب وإيقاف نزيف الدم.
وإذا توافرت وتلاقت العوامل الخارجية والداخلية لاستمرار الحرب فلا شك أننا في بداية الحرب وليس نهايتها كما يعتقد الكثيرون.
قبل فترة نشرت صحف بريطانية وفرنسية أن تعقيدات تجارة الحرب في اليمن عامل من عوامل تأخير الحسم، وهو ما أشار إليه إسماعيل ولد الشيخ المبعوث الأممي السابق لليمن في إحدى إحاطاته لكن ذلك لم يكرر في إحاطات من خلفه إطلاقا.
ربما أن الفساد وامتداد فوائد الحرب قد أصبحت أيضا فرصة لطواقم المنظمة الدولية ومبعوثها والفرق العاملة، إذا صح بعض ما نشر إعلاميا أن النفقات للمبعوث الأممي والعملية السياسية تفوق عشرين مليون دولار في بعض الأشهر.
وهنا تظهر أيضا بعض تجليات هذه التجارة العابرة للقارات.
إن عدد المنتفعين من الحرب في اليمن يتوسع ليصل لقيادات وسطية ودنيا أحيانا.
كل الزيارات التي تتم للمبعوث الأمريكي أو السفير إلى اليمن والمنطقة وكذلك زيارات المبعوث الأممي وسفراء الإنسانية محض هراء وشيكات دون رصيد، وكل الحديث عن مؤتمرات المانحين الذي يدور هذا الأسبوع لن يقدم شيئا ملموسا أو حلا محسوسا.
وليس أدل من ذلك أن سبعة مؤتمرات مانحين عقدت لمساعدة اليمن وتم تجميع ما يقارب عشرين مليار دولار في هذه المؤتمرات لم يلمس أثرها في جوهر الخدمات الضرورية والاحتياجات الإنسانية الملحة إلا ما ندر وغالبا ليس من بوابة هذه المنظمات.
ما أقساها كارثة عندما تطول الحرب وينزف الدم، لأن مافيا الحروب الخارجية الدولية والإقليمية والمحلية تستفيد من ذلك وتحول بلد كامل إلى حقول موت ودم ومزارع ألغام وشتات "وداناميت" وتستثمر في ذلك ببرود مخيف.
ولذلك هذه الحرب لن تنتهي في القريب أبدا، وسوف نظل في هذا الشتات مبعثرين حد الفناء في حصار بألوان من الأزمات، ولا فجر خلاص يلوح في الأفق القريب، تطاردنا جماعات الله والشيطان معا، سواء من بقي في اليمن أو من خرجنا من أبواب متفرقة إلى عواصف الغربة والمنافي والوجع.
سلام علينا جميعا في الأولين والآخرين إلى منتهى الحرب.