حربُ الإعلام كانت دائماً ركناً من حروب الحوثي ضد اليمنيين. فجماعة الحوثي لم تطغَ أو تهيمن أو تفرض سيطرتها بالإعلام أو الإقناع بالرضى فقط، فقد حولت الإعلام إلى آلة حربية شرسة ضد ثقافة الشعب اليمني، وأمنه وتعايش مكوناته الاجتماعية، وذهبت إلى ما هو أبعد من ذلك باستخدام الإعلام كأداة إرهابية ليتكامل مع كل الأدوات الأخرى، ولعل ما سمعنا عنه وسربته المنابر الإعلامية والأجهزة الأمنية التابعة للجماعة خلال اليومين الماضيين من عملية إرهابية وتمكنها -كما قالت- من إفشال مخطط إرهابي كبير كان سيستهدف صنعاء بعدد من السيارات الإرهابية، هذا الادعاء ما هو إلا رسالة مبطنة للشعب اليمني الرافض للممارسات والفساد الحوثي الذي أحال الشعب إلى متسول ينتظر المساعدات الدولية للبقاء على قيد الحياة، رسالة ترد بها الجماعة على نوايا التحرك الشعبي ضدها، وعلى العبارات التي كُتبت على بعض الجدران في صنعاء ومحافظة الحديدة.
لا شك أن الفبركة الحوثية حول إفشالها مخططا إرهابيا بدعم أجهزة استخبارية خارجية، تريد الجماعة من خلال هذه الفبركة القول بأن البديل لها هو الإرهاب، هو الموت، رغم أن مشروعها منذ سيطرتها على الدولة لا يحمل سوى ما تخوف الناس به، فمشروعها تعدى توصيف الإرهاب وأفعال الإرهاببين، فالجوع والجهل والافقار إرهاب، والتغرير بالشباب وتجنيد الأطفال في سبيل حرب عبثية تخدم مشروعهم السلالي والمخطط الإيراني بشكل عام يعد إرهابا، وتحريف المناهج واستهداف النشء إرهاب، بالإضافة لما تقوم به من تفجير وتدمير وتلغيم لكل ما تسيطر عليه لتزرع الموت بعبواتها الناسفة وألغامها المزروعة في الطرقات والمزارع وهذا أكبر وأبشع أنواع الإرهاب.
يُدرك الشعب أن الحوثية لن تنصت يوما لصوته، ولن تأبه يوما لمعاناته، فهي ترى عموم اليمنيين مجرد جنود وجب التضحية بهم من أجل خرافة مشروعهم السلطوي السلالي، ولا يمكن أن تسمح بأي تعبير سلمي رافض لأفعالها، ولن تتقبل أي تغيير أو تعايش أو شراكة وطنية حقيقية، فهي لا تفهم إلا لغة القوّة: تفهمها عندما تستعملها هي ضد اليمنيين، وتفهمها عندما يستعملها اليمنيون ضدّها في الدفاع عن أنفسهم وتحرير مناطقهم. فهمَ الحوثي لغة القوّة جيدّاً عندما طُردَ من المحافظات الجنوبية في صيف 2015، وفهمها أكثر عندما دُحِر من الساحل الغربي وكاد يفقد سيطرته على محافظة الحديدة في 2018، وعندما لم يستطع أن يستعيد شبراً واحداً في شبوة، أو يتقدّم بوصةً واحدة نحو الجنوب عموماً.
ختاماً... التخويف الحوثي للمواطنين بفزاعة الإرهاب، وإرهابها لكل من يعارضها بتهم العمالة والتخابر وغيرها، واتكائها على مخبريها وناشطيها الإعلاميين لا يمكن له أن يدوم أو يديم بقاءها وتسلطها على رقاب اليمنيين، وهنا لا ننكر أن ما تبثه من أفكار وسموم حضّر بيئة خصبة للتطرف الذي يخدم مشروعها، وأن آلتها الإعلامية قد فعلت فعلها في تأجيج المغرر بهم وغسل أدمغة الصغار بالانتصارات الخرافية والتأييد الإلهي المزعوم، رغم أن العناية هذه لم تكن حاضرة مع مئات القيادات الحوثية الذين لقوا مصرعهم على يد اليمنيين الأحرار المؤيدين فعلاً بالله ودعوات الشعب وتضحياتهم المقدس في سبيل الله ووطنهم وعروبتهم.