أربعة مبعوثين أممين، خمس جولات مفاوضات، عشرات الدعوات بضرورة الإصغاء لصوت العقل، وعدد من مبادرات السلام التي طرحت من أطراف محلية وعربية ودولية من أجل إنهاء الحرب في اليمن، وكلها للأسف لم تجد أذنا صاغية أو عقلا منفتحا مؤمنا بالتعايش وضرورة وقف إراقة الدم اليمني، خصوصاً من قبل جماعة الحوثي التي لا ترى في السلام أي مصلحة لها، كونها قائمة على فكرة الحرب وعقيدة الموت، وخرافة الحق الإلهي، ولا تؤمن بالآخر إلا تابعا ذليلا لها، ومنفذا مطيعا لما تراه يخدم مشروعها الدموي الذي هو في الحقيقة مشروع إيراني بحت.
منذ أيام دعا مجلس التعاون الخليجي إلى حوار يمني- يمني يجلس فيه فرقاء البلد الواحد ليخرجوا بتوافق واتفاق ينهي صراعهم ويحقن دماءهم ويعيد لبلادهم الأمن والاستقرار، وسرعان ما وافقت الشرعية على تلك الدعوة، وباركتها الأطراف اليمنية والمجتمع الدولي عموماً، وكما هو متوقع رفضت جماعة الحوثي الدعوة وتعللت بأسباب واهية كعادتها.
وهنا سؤال مهم، هل يدرك التحالف والمجتمع الدولي عموماً عبثية المحاولات في استجداء الحوثي من أجل قبوله بشيء لا يعترف به، ولا يؤمن فيه، وأن ما يقدمونه من طلبات ومحاولات يستخدمها الحوثي لخلق انتفاشة داخلية والإثبات لأتباعه والمغرر بهم بأنه في الموقف الصحيح والأقوى، ويستغل كل تلك الدعوات لمزيد من الحشد والتحشيد؟
الشيء الذي لا يمكن التغافل عنه، هو أنه لولا الشرعية الرخوة، والقيادات الحزبية الفاشلة المتناحرة، وفساد القيادات العسكرية وخضوعها لمنطق الربح والخسارة الحزبية والشخصية، لما تمكن الحوثي من التلاعب بها بهذا الشكل، بل إلغاؤها وعدم الاكتراث لها، وما مطلبه الأخير في الحوار بندية مع دول التحالف ورفضه الجلوس على طاولة حوار مع الشرعية والمكونات الحزبية إلا دليل على رفضه الواضح للقبول بمن يعارضه، رفضه الاعتراف بالأطراف الأخرى، ورفضه للتعايش السلمي مع بقية مكونات المجتمع اليمني، ولعل هذا الرفض والرغبة الجامحة في الدمار والقتل واستمرار سفك الدم اليمني، يحتم على جميع الأطراف السياسية أن تتنازل لبعضها البعض لتكون يداً واحدة ضد العدو القاتل، عدو الوطن والمواطن، جماعة الحوثي وفكرها الدموي السلالي، فالتنازل لأجل الوطن سيسجل في أنصع صفحات التاريخ ويثبت اليمنيون أنهم فعلاً أصحاب حكمة ولا يقبلون الضيم، وأن جهدهم وسواعدهم لا بد أن تتحد للحوار مع الحوثي باللغة التي يفهمها، لغة القتال وإشعال كل محاور وجبهات المواجهة، فلن نرى سلاما أو أمنا ما لم يكسر الحوثي ويسحق عسكرياً.