وكما هي عادتنا نحن اليمنيين، نقاش كل شيء، والحكم في كل شيء، دون أدنى معرفة أو علم، ما هذه المصيبة التي لحقت بنا، إننا شعب يحوي أكبر عدد من منظري السياسة، وأكبر عدد ممن نصبوا أنفسهم وكلاء للحديث باسم الله لتوزيع الرحمات، وجميعهم يتهافتون على التفاهة ويصرون أن يكونوا عنوانا بارزا في البلاهة.
العالم العربي وكل إنسان صاحب ضمير حي يتألم لمقتل نفس بشرية هنا أو هناك، ونحن نصر في أحاديثنا واستخداماتنا لمواقع التواصل الاجتماعي على أن ننصب أنفسنا قضاة على الآخرين، لا نجيد سوى النقد والفرز والتنميط، ولا نبدع إلا في المناكفات وإخراج كل أمر عن مساره وتحميله ما لا يحتمل، بالأمس القريب ضجت مواقع التواصل بصورة عريسين وانقسم الجمع الساذج بين مؤيد ومعارض، ومنتقد ومرحب ومفتٍ ومكفر وقاذف، متناسين جميعهم بأنها حرية شخصية، وأمر طبيعي يتوافق ورغبات من قام به وعادات من الموروث الشعبي النقي قبل أن يتم تلويثه.
واليوم وبينما كل صاحب ضمير يحزن فعليا لما تعرضت له الصحفية الفلسطينية شيرين أبو عاقلة من اغتيال ممنهج ومتعمد على يد قطعان الجيش الإسرائيلي، والناس تدعو لها بالرحمة كإنسانة بالمقام الأول، لا شأن للناس بالأديان فالله رحمة، والرحمة والجنة والنار بيده وحده ولا يحتاج لوكلاء يتحدثون باسمه ويوزعون خزائن مغفرته ورحمته بدلا عنه، إلا أننا شاهدنا انقسام اليمنيين بين من يترحم عليها كشهيدة فلسطينية عربية وإنسانة، وبين من يحرم ويجرم الترحم عليها، ولأننا شعب فارغ، ونخب فارغة، ورجال دين بائسون، و(الفرغة قاتلة) كما يقال، وبسببها جعلت الكل يضرب في الكل.
في خضم هذا الغثاء والسوء واللقافة التي نتميز بها، انكشفت حقيقة رجال الدين خصوصاً المتشدقين بفلسطين وشعبها وحرية وجهادية كل من على أرضها، وظهروا بمظهرهم الحقيقي الرافض لأي توجه إنساني ولمجرد الدعوة بالرحمة، ومعه ينكشف زيف تشدقاتهم وقبولهم بالتعايش مع المختلف، وتحولوا إلى معتدين شأنهم شأن المحتل، فالمحتل يعتدي على أرواح الناس في الأرض، وهم تجاوزوه ليعتدوا على الحق الإلهي المختص بالرحمة والجنة.
بالهدوء والسلام استقبل يا رب روح شيرين التي غادرت هذه الحياة الحاضرة لتأتي إليك، امنحها الراحة وضعها في مساكن النور، بيوت الأرواح المباركة، امنحها الحياة التي لن تتقدم في العمر، الأشياء الجيدة التي لن تزول، المسرات التي ليس لها نهاية. آمين.