يتربى مراهقو وشباب التنظيمات الدينية والسياسية والبرجماتية على أصوليات وأدبيات ومصالح محددة، منها العقائدي والسياسي، ومنها السلوكي والمادي والدفاعي.
أنا هنا سأتحدث عن جميع العصابات الألكترونية بنوع من التفصيل والتوضيح وبشكل جريء وواقعي.
الحلقة الأولى (عصابة الإخوان المسلمين):
أعضاء وشباب عصابة الإخوان المسلمين يكبرون على أصوليات حاكها المؤسس الأول لتنظيمهم الهرمي حسن البنا، المنظر والمؤسس الذي ارتكز في تنظيمه على صناعة الجسد البشري القابل للحقن بالأفكار والمعتقدات المطلقة، المعتقدات المكبلة للفرد ضمن سلسلة بشرية طويلة أشبه ما تكون بسلسلة العبيد بينما يجرها شخص واحد من مقدمتها.
وهكذا بعد أن صار الجسد مهيئًا بكامل تفكيره وخيالاته، حقنه بأصولياته العشرين ورسائله العشر المترابطة، جاعلًا من منظومته بأكملها كائنات على هيئة خوارزمية قابلة لكل حقن طالما وهو من القادة المعينين في رأس التشكيل الهرمي، أو القيادات التي تعنى بتوجيه القاعدة وفق تعميماتها الدورية والعاجلة والخاضعة لإرادتها الخالصة.
ومع مرور السنوات وتزايد الأفراد الآليين بالتفكير الخاضع، تحولت الجماعة إلى سجن بشري كبير يضم في طياته مئات الآلاف من السجناء الفكريين، سجناء لا يعرفون ما هي الحرية، ولا قيمة النسبية في الآراء والأحكام والقناعات.
الشباب في هذا المعتقل الفكري يستحقون الرثاء والشفقة المكررة مع تلاحق الاستغلال الممهنج لارتباطهم الوثيق باعتقال أنفسهم بأيديهم.
هؤلاء بالفعل عاشوا ويعيشون في الظلام، وينزعجون جدًا من فكرة النور والأفكار المضيئة، ومن ناحية غريبة جدًا، ومع تلاحق الأحداث والهزائم والمتغيرات المؤثرة في كل ما له عقل أو شعور، ستجدهم مستمرين في أقبيتهم المتوارية وسراديبهم الضيقة، بينما يظنون الطريق الوحيد إلى الدين والفضيلة لا يكون إلاّ في الأماكن المغلقة والسراديب المظلمة.
وبحسب ثروت الخرباوي أحد رموزهم المغادرين من الظلام يقول: من عاش في العتمة زمنًا طويلًا يفاجئه النور فيغُشي بصره للحظات، ويصعب على حدقتيه استيعاب الضياء من بعده، حينها قد تنكر العين الضوء وتستنكره، وما أصعب أن تستنكر الضوء والحقيقة وتبطل صوابيتها بقناعاتك..!
هؤلاء المنغلقون تمامًا يكرهون الأحرار ويحبون العبيد.
لذلك لم يرتفع شأن أحد منهم إلاّ وفق إرادة القيادة التي تجعل كائناتها الآلية ترتفع بمن تختاره لها..!
أما يمنيًا، فقد صار كيانهم المليء بالمصفقين المحقونين بالطاعة المطلقة، أفرادًا منظمين في السوشيال ميديا، يرفعون من يؤمرون برفعه، ويهاجمون من يؤمرون بمهاجمته، وينظرون لمشاريعهم وقاداتهم، ويتفاعلون مع من يلقي عليهم مواعظ التعميمات المغلفة بالثقافة والاندماج.
وأكثرهم ذكاءً ذهبوا للتلبس برداءات أخرى، للفت الانتباه عن حقيقة الظلام في نفوسهم، بعضهم تلبسوا برداء اليسار، وبعضهم برداء الحداثة، وآخرون بالنهود البارزة، والبقية بمفردات الثقافة والتطور، لكنهم لا يلبثون كثيرًا في السكوت أذا مُست آلهتهم بالتعييب والتحقير، وبالطبع وفق تعميمات مسبقة للحديث وإثارة الرأي العام.
الكثير من هؤلاء تجنبوا دائمًا الظهور بأفكار التنظيم الراديكالية أمام جمهورهم تجنبًا للوقوع في تناقض الفكر والادعاء، لكنهم يقعون في بعض أفكارهم المتوارية خلف أحاديثهم النرجسية، الأحاديث المهاجمة لقيادات أوجعتهم مسبقًا كـ"ياسين والحمدي وصالح"، وهي ذاتها قناعات التعرض لقيادات عارضها تنظيمهم كليًا كـ"الإرياني والزوكا ومجور والقربي"، وكل من سار في ركابهم.
هؤلاء لا يتوانون في إبراز وجوههم التي يخجلون من إظهارها أو الاعتراف بانتمائها أمام جمهورهم، لكنها تأتي في كل مرة للنيل ممن أوجع تنظيمهم المظلم قديمًا وحديثًا.
لكم هي مأساة عميقة أن يكون قرارك وفكرك وإرادتك مرهونًا عند آخرين يملكون إرغامك على الصمت، وإرغامك على الكلام.
بئس العبودية التي جعلت بعضهم مسوخًا تكره الجميع، وتخفي عداوتها للجميع من حولها، تنظيمات لا تأمن أي طرف آخر خارج تنظيمها، ولا تعجب بأي شخص خارج كيانها.
وهنا تكمن مشكلتهم الحقيقية، فهم لا يريدون سوى أنفسهم وكلامهم وأفكارهم، ولا شيء غير مشروعهم وقياداتهم، ولا يقبلون أبدًا المتمردين في صفوفهم.
هم يرونهم خائنين بالضرورة، وبقية الأشخاص والتيارات والأحزاب في هذا العالم لا يعجبونهم أو يثيرون تساؤلاتهم عن صوابيتهم بالمطلق.
هم عنصريون لا يقبلون أحدًا من خارج تنظيمهم المقرب، أو ما يطلق عليه تنظيم الداخل، المحقونون بالطاعة المطلقة، بينما حلفاؤهم وجمهورهم السطحي والعوام من أقربائهم وممن ينطوون في لحافهم وسوادهم يمثلون تنظيم الخارج في كيانهم، وهؤلاء بمثابة الغرباء غير المأمونين، بمثابة اللامنتمٍ لمركز التنظيم لكنهم سواد الفكر المتحرك وفق الإرادة الرأسية للتنظيم..
الأحقية العنصرية والمنغلقة على ذاتها في شكلها السياسي بهذه التنظيمات وأبواقها لا تكاد تتجاوز المعنى النرجسي المتعلق بالجوانب النفسية للقضايا المثارة، إنها سمة عنصرية تحتكر التقدير والاعتبار والافتتان في الذات من خلال توظيف نزوة الحب داخليًا، مما لا يترك شيئًا للآخرين، أو يبقي أقل القليل لمن هم خارجها.
هذه الطوائف والعنصريات أو الجماعات والكيانات لا تسمح لأي شخص بتجاوزها، أو العبور على ظهرها، إنها تكتفي بذاتها في كل الاعتبارات والمناسبات، تدور حول كيانها وذاتها بنوع من الافتتان النرجسي حتى الغرق، تغتر وتعجب بحالها وأحقيتها تماماً كـ"نرسيس" في الأسطورة اليونانية، افتتن بصورته وجماله على الماء، وغرق فيه بالنهاية، ومع مرور الزمن، يزداد ميولها لابتلاع الحيز المكاني للآخرين كلما تضخمت.
وهذا بالمقابل يعني تضخم عنصريات مناوئة لها، عنصريات تسيطر على قطعة جغرافية وهوية خاصة وولاءات محصورة، مثلها تمامًا.
وهكذا يتحول الوطن الواحد إلى مجرد وعاء شكلي معرض لشتى الأخطار الداخلية والخارجية، ذلك أن قوة الوطن ومنعته الحقيقية تتوقفان على درجة انصهار مختلف شرائحه وفئاته ضمن كيانه الذي يتجاوز كلاً من تنظيمات الحقن المسبق بالولاء.
وطن الفسيفساء الذي تكون فيه العصبية أقوى، وطن العصبيات والجماعات المتوازية في القوة، وطن الأبواق المأجورة والرخيصة، والمتكاتفة على تجيير الشعب لصالحها.
*من صفحة الكاتب على الفيسبوك