على مدى عشرات السنين توقف اليمنيون من الاحتفال بالمناسبات المذهبية التي فرضتها عليها الإمامة البائدة، وصورتها كمكارم واصطفاءات عرقية من خلال ادعاء الإمامة في اليمن بأنهم من نسل آل البيت النبوي، ولطالما حولوا كل مناسبة دينية مذهبية أو شخصية إسلامية بارزة إلى أداة لدغدغة مشاعر شعبنا اليمني المتدين بطبعه، واستغلال ذلك التدين لخلق حالة ولاء خاص للسلالة الهاشمية التي لم ير اليمن واليمنيون منها أي خير طوال أكثر من ألف عام على حكمها لليمن، بل على العكس من أخلاق وثوابت البيت النبوي كرست السلالة الإمامية الهاشمية في اليمن أسوأ وأبشع صور الظلم والقهر والتخلف لشعبنا، وعبر قرون عديدة أدخلته في صراعات وظلمات إمامية قهرية بعضها فوق بعض.
ومنذ سيطرة الجماعة الحوثية على المؤسسات واحتلالها لعدد من المحافظات اليمنية الشمالية، دأبت على إعاده إحياء الثقافة الإمامية الكهنوتية واستيراد فكر خميني دخيل ينادي بتبجيل شخصيات وأيام ومواقف تعزز من خرافات السلالة وعلى رأسها "يوم الغدير" الذي تم تغيير مفهومه ومسماه إلى يوم "الولاية" والذي يقصد به ولاية عبد الملك الحوثي وجماعته وسادته في قم ومشهد الإيرانية، وليست ولاية لله ودينه الحق القويم.
وردت أخبار حادثة غدير خم في العشرات من المصادر التاريخية الإسلامية، السنية والشيعية على حد سواء. تذكر تلك المصادر أن المسلمين بعد أن انتهوا من أداء شعائر الحج في السنة العاشرة من الهجرة -وهي الحجة التي عُرفت باسم حجة الوداع- قفلوا راجعين إلى المدينة المنورة. حينها، أمر النبي أصحابه بالتوقف في مكان يقع بين المدينة المنورة ومكة. يُعرف هذا المكان بغدير خم، ومنه أخذت الواقعة اسمها الشهير في كتابات المؤرخين.
يعتقد الشيعة أن ما وقع في غدير خم أمر إلهي صريح بإمامة علي بن أبي طالب وخلافته للنبي.
ورد النص على أهمية يوم الغدير وأنه يوم عيد في الكثير من الروايات الشيعية. على سبيل المثال نقل محمد بن يعقوب الكليني المتوفى 329هـ في كتابه "الكافي" أن الإمام جعفر الصادق لمّا سُئل "هل للمسلمين عيد غير يوم الجمعة والأضحى والفطر؟"، فإنه أجاب "نعم أعظمها حرمة... اليوم الذي نصب فيه رسول الله أمير المؤمنين وقال: من كنت مولاه فعلي مولاه... يوم ثمانية عشر من ذي الحجة".
يظهر يوم الغدير في المُتخيل الشيعي الجمعي باعتباره يوما عظيما وأنه اليوم الذي تم فيه النص على ولاية الأئمة الذين يرون بأنهم نصبهم الله "كحجج له على خلقه".
وردت حادثة الغدير في العديد من المصادر السنية. على سبيل المثال نقل ابن كثير الدمشقي المتوفى 774هـ في كتابه "البداية والنهاية" تفاصيل تلك الحادثة عن الصحابي بريدة بن الحصيب الأسلمي. يقول بريدة: "غزوتُ مع عليٍّ اليمنَ فرأيتُ منه جَفوةً فلما قدمتُ على رسولِ اللهِ ذكرتُ عليًّا فتنقَّصتُه فرأيتُ وجهَ رسولِ اللهِ يتغيَّرُ فقال يا بُريدةُ ألستُ أولى بالمؤمنين من أنفُسِهم قلتُ بلى يا رسولَ اللهِ قال من كنتُ مولاه فعليٌّ مولاه".
تظهر الواقعة في الرواية السابقة على كونها موقفًا شخصيًا ليس أكثر. كان حديث الرسول موجهًا لبريدة على وجه التحديد، وكان سببه تنقص بريدة من علي.
وليس كما يصور الحوثي وأتباعه وعموم شيعة اليوم بأنه يوم للتولي السياسي، والتبعية العمياء والقبول بالعبودية في مظهر ديني، وتصديق خرافة الاصطفاء التي يرى الحوثي وسلالته أنهم يمثلونها ويرون أنهم فوق اليمنيين، ويحق لهم ما لا يحق لغيرهم، وصولاً لتعاملهم وتفكيرهم المريض الذي يصورون اليمنيين من خلاله بأنهم مجرد أتباع خلقوا لخدمة وتنفيذ مساعي ومخططات وأهداف الجماعة الحوثية في السيطرة على اليمن ومقدرات اليمنيين والتحكم في حياتهم العامة والخاصة.