على خُطى الخميني يمضي عبدالملك الحوثي وجماعته باليمن نحو مزيد من التطرف والبعد عن الثوابت والثقافة اليمنية، ويحاول بإصرار على فصل اليمن من هويته الحضارية ومحيطه العربي من خلال سيطرته على مؤسسات الدولة وتسخيره للإعلام والتعليم لغسل أدمغة النشء وتنميط المجتمع بشكل عام، مستغلا للجهل الذي تعاني منه القبيلة اليمنية، والفشل الذريع والمزمن الذي تعيشه القيادات السياسية المناهضة لمشروعه المدمر في اليمن.
لسنوات طويلة والهاشمية "السياسية" الإمامية تبني مشروعها وتحيك المؤامرات والدسائس بين مكونات الشعب اليمني، بالإضافة إلى تشبيكها -أي الهاشمية الإمامية- للعلاقات مع كل من له مشروع هدام تجاه اليمن وبما يحقق تطلعاتها في العودة للحكم والقضاء على كل محطة من محطات التاريخ اليمني الذي يشير إلى انكسارهم وكشف زيفهم والثورة عليهم، وقد نجح الإماميون الجدد لدرجة كبيرة في استغلال مكامن الفشل والخلاف بين مناهضيهم ليتصدروا من جديد المشهد كما هو حاصل اليوم، وعوضا من أن يتعلموا من دروس الماضي ها هم يصرون بكل حقد وغباء على اتباع ذات النهج الظلامي والكهنوتي الذي مضى عليه أسلافهم من الإمامة البائدة، إلا أنهم زادوا في عمالتهم وإرهابهم وبطشهم ضد الشعب وأوغلوا في دمه ونهبوا كل ما تطاله أيديهم.
يحاول الحوثي اتباع خطوات سيده وقدوته الخميني في إيران من خلال تغيير المنهج الدراسي وإعادة صياغة التاريخ والأحداث بما يخدم بقاءه، ويؤهل كوادره العقائدية في مختلف المجالات حتى يتمكن من إزاحة وإقصاء كل يمني من موقعه الوظيفي، ولهذا نشاهد الإقبال الكبير على قاعات الدراسات العليا في جامعة صنعاء وبقية الجامعات الحكومية الواقعة في نطاق سيطرة جماعة الحوثي، إقبال هدفه فرض أجندة الجماعة واستقطاب من يمكن استقطابه فقط، وليس بدافع العلم والتنوير، حتى إذا ما اقتربت من أحدهم وناقشته ستجده أكثر تزمتاً وتعصباً دون أن تلمس أي ثمرة من ثمار التعليم، وهذا إن دل على شيء إنما يدل على رغبة وحيدة وهي الحصول على شهادة تؤهل للسيطرة على الجامعات وتمكنهم من أن يكونوا أساتذة ومحاضرين في شكل أكاديمي وجوهر مؤدلج طائفي إمامي كما فعل الخميني بين عامي 1979 -1984، عندما أقصى كل التيارات المدنية في إيران واستحوذ تياره على كل شيء وإلى الآن.
ومما يلفت الانتباه أن حالة النفي لارتباطهم بإيران لم تعد موجودة كما كان في السابق، بل تحولت إلى حالة من التباهي والإشادة بثورة الخميني سواء في الجلسات الاجتماعية أو اللقاءات وحلقات النقاش التي يشتركون فيها في الحرم الجامعي، وصولا إلى الدعوات الصريحة للمضي على نهج إيران واستنساخ نموذجها، ويصرون بشكل عجيب على تسويق مصطلح محور المقاومة الذي يعتبرون أنفسهم أحد أطرافه مفاخرين أنه بقيادة ملالي طهران، ويعدون ذلك كرامة وعزة!! فأي عزة وكرامة لتابع يفخر بتبعيته لتوابع عديدة من لبنان إلى بغداد؟
لا شك أن أي كتابة حول تبعية الحوثي وعمالته ستحتاج لوقت طويل جداً، لكن وبرغم كل السوء المجتمع في هذه الجماعة، يبقى السؤال: ماذا استطاع الطرف الحكومي والمناهضون لها أن يفعلوا غير استجداء السلام منها، والظهور بمظهر اللاهثين على السلطة ومغنمها، البعيدين عن الوطن والشعب؟ ماذا استطاعوا أن يفعلوا لتعرية هذه الجماعة أمام العالم؟ وإقناع العالم بخطورة الحوثي ودمويته وإرهابه، وما هي الخطوات التي استطاعت الدبلوماسية الحكومية أن تتخذها لتحريك العالم كله ضد هذه الجماعة وانتشال اليمن من براثن الجوع والتخلف والاستبداد الذي يكرسه الحوثي، وما الذي قاموا به لتخليص الشعب من معاناته التي تزداد كل يوم؟
أعتقد لا شيء يستحق أن يشار إليه، فقط أنهم نجحوا في منح الحوثي مزيدا من الوقت ومزيدا من الدخل وقدرة أكبر على البطش.