تتجدد ذكرى المولد النبوي كما يتجدد الليل والنهار، ولكن ما قيمة أن تتجدد ذكرى المولد النبوي وأمتنا العربية والإسلامية تترنح وتراوح مكانها وأرضنا العربية والإسلامية تنتقص من أطرافها؟. ما قيمة أن تتجدد ذكرى المولد النبوي ولكن تتبدد معها أوصال وطننا وشعبنا المغلوب على أمره، والمتاجر بمأساته على يد المقامرين السياسيين الذين أساءوا لكل القيم الوطنية والدينية والأخلاقية، ولأجل مصلحتهم ومصالح مموليهم تحولوا إلى تجار حروب وعشاق دمار وأصبح الاجتماع والإجماع على مصلحة هذا الوطن والشعب ضربا من الخيال؟. ما قيمة أن يحتفل بعضنا بالمولد النبوي إمعانا في حب المصطفى صلى الله عليه وسلم كما يزعمون، أو يحرمه بعضنا الآخر تمسكا بالسنة، ودفعا للبدعة كما يدعون في الوقت الذي لا نشعر فيه كلنا أو أكثرنا بأننا شركاء في إثم متوارث وهو ابتعادنا عن قيم هذا المولد؟. ما قيمة أن يشعل بعضنا الأضواء ويلون كل ما يقع تحت يده كما يفعل الحوثي في المناطق الواقعة تحت سيطرته، مدعياً بأن ذلك احتفاء بمولد الهدى عليه الصلاة والسلام وهو لا يعرف إلى الهدى سبيلا، ولم يتبع من مآثر النبي وما حث عليه شيئا، وحول مناسبة دينية يحتفل بها اليمنيون منذ القدم وفقاً لما توارثوه، حولها إلى مناسبة سياسية مغلفة باسم النبي الكريم، ويبالغ في الاحتفاء رغم معرفته بأن الشعب يدرك من هو المحب الفعلي والمقتدي الصادق بالنبي العظيم قولاً وعملا، ومن يتخذ من الدين رداءً وشعاراً أحال به معيشة اليمنيين ضنكى، وحياتهم فوضى، ونصب نفسه وحاشيته ومشرفيه الحمقى حكاما وأوصياء وهم لا يصلحون لإقامة دين ولا لإقامة دنيا؟
ولا يمكن أن تجد للحوثي عملا ذا بال في نصرة القيم العليا التي جاء بها النبي صلى الله عليه وسلم فلا يهتم أكثرهم بحال اليتامى والثكالى الذين يئنُّون ويجوعون ويموتون في صمت، برغم أنه المتسبب الأول في أكثر مآسي الناس في بلادنا، وبدلاً من اتباع هدي الرسول الكريم بأن الناس سواسية وأن لا فضل لعربي أو أعجمي إلا بالتقوى، إلا إن الحوثي ومن معه من السلاليين يعيش على خرافة الاصطفاء، ولهذا تجده يتعامل مع الناس حسب ما يمليه قربهم أو بعدهم منهم في العرق أو المذهب وليس حسب ما تمليه الرابطة الدينية والأخلاقية والإنسانية التي تعلو على كل الروابط المذهبية الأخرى، فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول: “مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى”، فما بال هذا الجسد الواحد يصبح أجسادا متفرقة ما اجتمع منها في المذهب والسلالة ائتلف وما اختلف منها في المذهب والعرق اختلف، وهذا هو نهج ومنطق وحقيقة الحوثي المتدثر بالدين والملتصق زوراً بأشرف خلق الله نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.
كم نحن بحاجة اليوم إلى فكر ومشروع وطني يعيد لكل شيء قيمته، يعيد للوطن قيمته ومعناه الجامع، وللدين مكانته النقية من الاستخدام السياسي كل على هواه، فعلا نحن بحاجة للصفاء والعودة إلى النقاء الذي مثله الهدي النبوي وقال عنه المستشرقون المنصفون بأن محمدا صلى الله عليه وسلم هو النبي الذي لا يصلح حال البشرية إلا باتباع هديه وسنته، ويحضرني هنا ما قالته الكاتبة البريطانية “كارين أرمسترونغ” في كتابها “محمد.. نبي لزماننا”، ومن ذلك قولها: “.. في شخصية محمد صلى الله عليه وسلم النموذجية، دروس مهمة، ليس فقط للمسلمين، ولكن أيضا للغربيين، إذ كانت حياته كلها جهادا كما سوف نرى، ولكن هذه الكلمة لا تعني الحرب المقدسة، ولكنها تعني كفاحا. كدح محمد صلى الله عليه وسلم -بكل معاني الكلمة- ليجلب السلام على العرب الذين مزقتهم الحروب، ونحن نحتاج لمن هم مستعدون لعمل ذلك اليوم. كانت حياته حملة لا تكل ضد الطمع والظلم والتكبر".
وهذه والله هي القيم التي نتطلع أن نراها واقعاً اليوم، السلام، الحرية، رفع الظلم والطمع والتكبر، لا نحتاج لاحتفالات وأناشيد بقدر ما نحتاج فعلا لتطبيق قيم ومبادئ وهدي النبي الكريم.