فهمي محمد

فهمي محمد

تابعنى على

الوحدة اليمنية وسؤال الدولة القُطرية المتجدد في اليمن

Sunday 18 December 2022 الساعة 07:39 am

خلال عقود القرن الماضي تشكلت دول في شبه الجزيرة العربية وتخلقت أخرى من رحم الجغرافية العربية حتى بدا مع هذا التخلق في الكيانات السياسية أن الدولة القُطرية التي تشكلت بعد رحيل الاستعمار أصبحت تتجاوز ثوابت الجغرافية والتاريخ وحتى هوية الانتماء الثقافي للمكون الإنساني العربي الذي وجد نفسه مع تأسيس دولة الاستقلال الوطني يقبع داخل حدود سياسية مصطنعة تعمل على إعادة تعريف هويته السياسية خارج إطار القومية العربية وهويتها الجامعة.

ومع مثل هذا التوجه كان بإمكان جنوب اليمن أن لا يشكل حالة استثنائية إيجابيه مع مسألة الانتماء والهوية الجامعة للمكون الإنساني في اليمن بعد تحقيق الاستقلال الوطني.

بمعنى آخر كان بالإمكان أن يسير مع تيار الدولة القُطرية، خصوصاً وقد كان المتلقفون سياسياً لمشروع الذهاب بالشطر الجنوبي إلى خارج الإطار المفاهيمي لاحكام الجغرافية والتاريخ والهوية الجامعة في اليمن، حاضرين وجاهزين في دعم هذا التوجه قبل ثورة أكتوبر وحتى بعد نيل الاستقلال الوطني في الـ30 من نوفمبر 1967، بل كانوا قادرين على حماية مثل هذا التوجه الذي سوف يحول جنوب اليمن، إلى دولة قطرية دائمة، بل إلا جيوسياسية منفصلة عن شمال اليمن تحت مسمى "الجنوب العربي"، خصوصاً وقد تحولت بعض المساحات داخل الجغرافية العربية إلى دول قطرية مستقلة وذات سيادة حتى اليوم.

مع أن تلك الدول لم تكن تملك يومها أدنى الشروط التي تجعل من كيانها السياسي والاجتماعي وحتى الجغرافي مؤهلات موضوعية ناجعة في عملية التحول السياسي إلى دول مستقلة بعكس جنوب اليمن، التي كانت تملك شروطا موضوعية وارثا سياسيا تاريخيا، حتى موقعها الاستراتيجي كان كفيلا بأن يجعل منها في تلك المرحلة دولة قطرية تحظى بالرعاية الدولية والإقليمية.

 ومع ذلك لم تتحول إلى دولة قطرية على غرار الدولة العربية الوليدة في تلك المرحلة.

في بداية الستينيات كان تنظيم الضباط الأحرار قد تمكن من تفجير ثورة سبتمبر التي أسقطت النظام "الإمامي" وأعلنت في المقابل قيام الجمهورية في الشمال.

وبعد عام واحد فقط تمكنت الجبهة القومية من تفجير ثورة الكفاح المسلح ضد وجود الاستعمار البريطاني في الجنوب، إلا أن المفارقة الإشكالية التي بدت يومها سمجة (بدون ملامح) مع مستقبل الثورة والجمهورية في اليمن هي مفارقة نوفمبر الاستقلال الوطني ونوفمبر الانقلاب الماضوي.

أقصد من ذلك أنه في الشهر الذي كانت فيه سلطة الثورة في جنوب اليمن تتفاوض من موقع المنتصر مع سلطة الاستعمار البريطانية حول نيل الاستقلال الوطني الناجز، والذي تحقق في الـ30 من نوفمبر 1967م، كانت سلطة الثورة ومشروعها الثوري في الشمال قد تعرضوا في 5 نوفمبر للانقلاب الرجعي الذي تكفل بصناعة الفرصة التاريخية أمام زحف القبيلة السياسية على حساب سلطة الثورة في ظل الجمهورية، وهو ما جعل سلطة الاستقلال الوطني في جنوب اليمن تقف على النقيض السياسي والاجتماعي من سلطة الجمهورية الثانية في شمال اليمن، خصوصاً وأن انقضاض القبيلة السياسية على مقاليد سلطة الثورة في صنعاء قد طرح على القوى السياسية الوطنية وعلى وجه التحديد اليسارية منها سؤال المحتوى السياسي والاجتماعي للنظام الجمهوري.

وكيف لا وقد كان سؤال المحتوى أو محتوى السؤال هو في الأساس مبرر القوى الوطنية لخوض غمار الفكرة الثورية في الـ26 من سبتمبر بل قل هو مشروعها الثوري في شمال اليمن.

ما يهمنا في هذ الحديث، أن محتوى الانقلاب الماضوي في الشمال تحول يومها إلى أحد جذور المشكلة الحقيقية بين سلطة الاستقلال الوطني في الجنوب وسلطة الجمهورية الثانية في الشمال، خصوصاً بعد أن تحولت القوى السياسية الوطنية في الشمال إلى صف المعارضة السياسية لسلطة الجمهورية الثانية.

 هذا من جهة أولى ومن جهة ثانية محتوى الانقلاب لم يضع الثورة والجمهورية في الشمال على محك سؤال المحتوى السياسي والاجتماعي بل وضع قضية الوحدة اليمنية هي الأخرى أمام سؤال المحتوى السياسي والاجتماعي.

بمعنى آخر إذا كانت الوحدة اليمنية سوف تقام بدون شك بين سلطة صنعاء وسلطة عدن، في ظل وجود التباينات والاختلافات القائمة بين فلسفة العقل السياسي الحزبي الحاكم في الجنوب والعقل السياسي الحاكم تاريخياً في اليمن، بعد أن تمكن هذا الأخير من الانقضاض على مقاليد سلطة الثورة والجمهورية في الشمال، فإن ذلك قد أدى بالضرورة إلى طرح سؤال المحتوى السياسي والاجتماعي وحتى الحامل السياسي لدولة الوحدة اليمنية، وهو سؤال اشكالي/ مستقبلي/ وجد الحاكمون في جنوب اليمن، أنفسهم معنيين بالإجابة عليه أكثر من الحاكمين في الشمال. 

ما يعني في النتيجة أن الوحدة اليمنية أصبحت في حسابات العقل السياسي الحاكم في الشمال مكسبا سياسيا يجب أن يتحقق عن طريق الضم والالحاق.

وفي المقابل كانت الوحدة اليمنية في حسابات العقل السياسي الحزبي الحاكم في الجنوب مسؤولية وطنية ومنجزا تاريخيا للأجيال القادمة، أي أنها ترى نموذج الوحدة على شاكلتها، الأمر الذي جعل من الإشكالية بمكان تحقيق الوحدة اليمنية بعد الاستقلال مباشرةً لأن معطيات نوفمبر 1967 جعلت الوحدة اليمنية محتاجة في المقام الأول لأن يأتي شمال اليمن وجنوبه بمشروعهم الوطني الذي سوف يؤسس لدولة الوحدة.

ما يعني أن مسألة الوحدة اليمنية تحولت إلى قضية نضالية لدى القوى السياسية الوطنية في الشمال والجنوب على حد سواء، وهو ما أدى إلى إزاحة سؤال الدولة القطرية في اليمن، والفضل في ذلك يعود إلى حضور العقل السياسي الحزبي ودوره النضالي.