أحمد الجعدي

أحمد الجعدي

تابعنى على

2022.. حال الحول

Thursday 29 December 2022 الساعة 07:42 am

بغربةٍ مضاعفة وخطة عمل خطتها أقلام لا تعترف تقريباً بوجود الله ولا تحترم القضاء والقدر وتقلبات الزمان بقدر احترامها للرياضيات بدأت 2022.

بدأت بخطة متقنة كأنها لوحة رسمها الفنان الإيطالي ليوناردو دافنشي وكأن المتغير الوحيد فيها هو توقيع من حظر الاجتماع بدلاً من توقيع الفنان.

يتحدث أصحابها عن الأهداف والتطلعات بتفاصيلها الصغيرة والدقيقة التي هي ما زالت جزءاً من الغيبيات ولأني العربي الوحيد والمؤمن جداً بتقلبات الزمان والذي لا يكترث كثيراً بخطط المستقبل ولا يثق بها بتاتاً فأقصى خطة التزمت بها في حياتي لم تكن لتتجاوز الأسبوع.

ومع كل تلك الخلفيات التي أحملها بداخلي كنت غارقاً في التفكير أمام تلك الخطة والأشياء الأخرى التي يحملها الغريب جداً جداً معه، تساءلت وقتها كيف ممكن لمثلي أن يقلب هذه السنة الطويلة العريضة "سنة فاتحة جحرها كما يُقال في الزمن الأول" سنة عجيّة بكل ما تحمله عجيّة من معنى حسب المؤشرات.

ولسوء الحظ فشلت الحسابات الرياضية وجاءت السنة مبعثرة تلك الأرقام والأهداف وكل التطلعات وكأن طفلاً أخذ الألوان وبدأ يعبث "بالموناليزا"، سنة عززت إيماني وثقافتي التي لا تؤمن بالخطط الطويلة ولكن لستُ بالضرورة محقّاً بالعشوائية التي هي مبدأنا بالحياة والعمل.

بدأت حرب أوكرانيا، تغيرت أجواء الشغل وطفت للسطح المتغيرات وبدأنا بتحديات جديدة لم تكن في الحسبان ما استدعى بذل جهد مضاعف وضغوط عمل أخرى.. ولكن في نهاية المطاف ها أنذا على بعد يوم ويوم وليلة وساعاتٍ قليلة على نهاية 2022.

ورغم هذا الزمن القصير المتبقي منها ما زلت متمسكا بثقافة ترقب الكارثة والوقت المتبقي بدل الضائع الذي يمكن أن يقلب الأمور رأساً على عقب.

ها هي 2022 تم إغلاق جُل ملفاتها ولم يبق سوى أثرها وما تركته عليَّ معنوياً وحسيّاً وانقلبت على عقبيها بقوة الدهر وليس بقوتي التي بالغت بحسن الظن بها حين سألت نفسي (كيف أقلبها؟)، سنة كانت تنام وتصحو على الجنب الذي يريحها.

 وها أنذا أستشرف نهايتها وحالي كحال ابن الوليد ما في موضع على جسدي الا وبه طعنة برمح او رمية بسهم او ضربة بسيف (جروح معنوية نفسية وميتافيزيقية) يصعب عليَّ وصفها بلغة الناس.

آخر ملفاتها كان موعداً مع الطبيب، فقد كنت أعاني من ألم عميق وخفيف في شقي الأيسر وبعد الفحوصات وظهور علامات القلق في وجه الطبيب بعد معاينته للفحوصات تم استدعاء سيارة الإسعاف على عجل.

توجهوا إليّ بتعليمات صارمة، لا تتحرك من على المقعد، ابق مسترخياً، تناول هذا الدواء الذي لا أعرف طبيعته، وأثناء ذلك وصل المسعفون وتم وضعي على ناقله المرضى وأخذوني الى سيارة الإسعاف التي اوقفت جانباً من شارع المدينة الرئيسي.

في السيارة وضعوا المتحسسات على صدري وقربة مليئة بمحلول لا أعرف طبيعته أيضاً لم أسألهم كثيراً فقد كان واضحاً لي أنهم يعرفون ما يقومون به حق المعرفة (وها أنذا اموت على فراشي حتف أنفي كما تموت العير فلا نامت أعين الجبناء).

وبعد أن تأكدوا أن كل شيء في مكانه الصحيح أخبروني بأن مستشفى المدينة مغلق بسبب امتلائه بالمرضى ولا يمكن استيعاب مرضى آخرين سيتم نقلي الى مستشفى مدينه أخرى على بعد ساعة ونصف.

في الطريق كنت أفسر ما يجري لي بطريقتي الهندسية وبأن من الممكن أن يكون قلبي قد تآكل بعضاً من جداره الذي لطالما اعتقدت بأنه قوي بما فيه الكفاية كالمعادن التي يأكلها الصدأ، ولأن الطريق طويل قليلاً دخلت في حوار مع المرافقين سألتهم هل حقاً الحالة تستدعي كل هذا؟

هل قلبي مريض جداً؟

أخبرتني الممرضة بأنه طالما لم يرافقنا الطبيب فلا أعتقد أن الحالة بذاك السوء.

يعني مش هذا اليوم يوم وفاتي - سألتها؟

لاااا لا لن تموت على الأقل ليس هذا اليوم 

حسناً إذاً .. هناك متسع لوضع خطة أطمئن فيها على ابنتي وزوجتي.

لا تخف لن تموت..

لا، لست خائفاً على نفسي من الموت على الأقل منذ اليوم الذي ولدت فيه ابنتي 07.11.2020 فقط أنا خائف عليها من هذا العالم المتقلب أما الآخرة وما بعد الموت أقسم بأنني لم أعد مكترثاً بتاتاً ولست ذاك الإنسان الذي تغريه هذه الدنيا.

فالدنيا بالنسبة لي مهما كبرت وازهرت وبدا لي جانبها الوردي المخملي البلوري يقف بيني وبينها الوقت، الوقت الذي لم يعد هناك متسع وقدر كافٍ منه للهو واللعب وكذلك العبارة التي يطلقها صديقي سمير والذي في العادة يغلق بها كل أحلامنا ومشاريعنا "خلاص فات نحنا القطار".

في المستشفى وبعد إجراء كل الفحوصات توصلوا أن القلب سليم وأن المعضلة في ارتفاع ضغط الدم جراء الضغوطات وتعاطي المنبهات التي افرطت في تناولها مؤخراً خصوصاً "سنوز".

أخيراً.. أخبروني بأن بإمكاني المغادرة والعودة للمنزل وأوصوني بمراقبة ضغط الدم والرجوع الى الطبيب وتجنب تعاطي الإسنوز قدر الإمكان.

يبدو لي الآن أن 2022 وها هي أخرى جديدة على الأبواب لست مستعجلاً لذكر اسمها وبرغم تجربتي العويصة مع 2022 إلا انني وبالرغم من كل هشاشتي ما زلت مؤمنا أن عندي القدرة الكافية على محاولة قلب هذه السنة الجديدة على الجنب الذي يريحني.