د. صادق القاضي
الممكن وغير الممكن في مستقبل الحالة اليمنية
بلغت الحرب عامها الثامن، ومن الممكن أن تستمر لسنوات أخرى في حالة من اللاحرب واللاسلم. لكن في كل حال، لا يمكن لسلطات الأمر الواقع أن تظل منعزلة ملتزمة بحدود مناطق سيطرتها إلى الأبد. ومن غير الممكن أن يحل السلام، قبل أن تصل الحرب بأيٍّ من الأطراف المتصارعة إلى حالة حسم عسكري.
"الحوار" خدعة دولية لإطالة أمد الأزمة والحرب.. هذا ما برهنت التجارب مراراً عليه. من الممكن أن تجلس "الجماعة الحوثية" مع "الشرعية" مجدداً حول طاولة حوار، لكن من المستبعد للغاية أن يفضي الحوار بينهما إلى شراكة حقيقية، أو أن يقبل الحوثي بالآخرين إلا كرعايا وخدم.
"الجماعة الحوثية" رغم مراوغاتها وحرباويتها.. جماعة دينية مسلحة، واضحة المنطلقات والأهداف، وسلوكياتها مفهومة ومتوقعة، من الممكن حتى أن تدعو للعلمانية، وترفع شعارات مدنية، لكن من المستبعد أن تتعايش مع غيرها في ظل نظام مدني. يمكن للحوثي أن يتخلى عن أي شيء، لكن من غير الممكن أن يتخلى طوعاً عن السلطة والسلاح والعنصرية.
كيف يمكن للحوار مع طرف لا يمكنه التخلي عن هذه الأشياء أن يفضي إلى حل؟! لكن الخيار العسكري ليس سهلاً. للشرعية جيش يزيد عدد أفراده عن نصف مليون مقاتل، لكن 70% منهم أعداد وهمية، حسب تصريح وزير الدفاع السابق، في حين أن البقية متفرقون بين القيادات وأمراء الحرب. يمكن حشد هؤلاء فقط نظرياً في كشوف الرواتب، لكن لا يمكن تجميعهم ككيان واحد في حرب شاملة.
كما يمكن توقع أن الإخوان بجحافلهم الوهمية والإعلامية والعسكرية.. لن ينخرطوا في مثل هذه الحرب، نخر الإخوان كيان "الشرعية" طوال الثمان سنوات السابقة، تركوا منذ وقت مبكر هدف تحرير الشمال، من أجل تحرير المحرر في الجنوب والغرب، وتخلوا للحوثي عن مساحات شاسعة، في خضم هذه الحروب الخاصة.. يمكن لهؤلاء أن يتهافتوا على أي وليمة مصالح عابرة. لكن، من المستبعد أن ينخرطوا مع الإدارة الجديدة للشرعية في حرب جدية من أجل مصالح استراتيجية.
"الإخوان" هم المعادل السنّي للحوثية، لكن هؤلاء أكثر مرونة ومخاتلة وهشاشة، وتبعات سياسية وعسكرية، من الممكن، كما حدث مراراً، أن يضحوا باليمن من أجل عيون العاهل القطري أو الرئيس التركي.. ولا يمكن أن تكون اليمن أولاً في حساباتهم ما لم تكن لمصالحهم الأولوية.
الإدارة الجديدة للشرعية بدورها غارقة في تشظياتها وأزماتها العضوية.. من الممكن لها إصلاح بعض ما أفسدته الإدارة السابقة، لكنها مهمة صعبة للغاية، ومن غير الممكن أن تنجح بسهولة في التخلص من مخلفات الإدارة القديمة، كسيطرة الإخوان على معسكرات ومحاور وإمارات كاملة، والحالة المتقدمة لقضية الجنوب.
بل أوشكت "الشرعية" على خسارة الجنوب.. شعبية "الانفصال" ترتفع في "الجنوب" توازياً مع استمرار سيطرة "الحوثي" على "الشمال"، ومن الممكن حدوث "الانفصال" في حال يئست عدن تماماً من تحرير صنعاء، ومن غير الممكن أن يقبل الجنوب بإعادة سيطرة الحوثي عليه، أو أن تستمر الوحدة في ظل نظام غير جمهوري.