من المعلوم أن سلطنة عمان ليست وسيطة في أي مفاوضات تخص الأزمة اليمنية، فالدور الذي تلعبه مسقط يتمحور في دورها كناقل رسائل من الأمريكان والسعودية إلى جماعة الحوثي، بالإضافة لإمكانية توجيه بعض النصائح لقيادات الجماعة سواء المقيمة على أراضيها أو في صنعاء، وهذا الدور هو من يقف وراء تكرار زيارات الوفد العماني إلى صنعاء.
مؤخراً زار العمانيون صنعاء مرتين في غضون أسبوعين، ناقلين رسائل أمريكية بحتة، ومؤشرات للتوافق على ما يتم مناقشته تحت الطاولة في مسقط بين وفد الحوثيين والسعوديين، وكذلك ما توصلت إليه الزيارات السرية السعودية المتكررة إلى صنعاء، فعلى ما يبدو أن السعودية تريد التخلص من الابتزاز الأممي بأي طريقة، وتريد إغلاق الأزمة اليمنية بأي حل يضمن أمنها وحدودها، خصوصاً في ظل الشعور السعودي المتنامي بعدم جدية الأمم المتحدة والمجتمع الدولي عموماً لإنهاء هذه الأزمة، سواء من خلال ممارسة ضغط حقيقي وجاد وصريح على الحوثيين ومشغليهم، أو من خلال السماح بعمل عسكري قوي وحاسم وتقديم سبل الدعم والإسناد الحقيقي للقوات اليمنية وتكثيف الرقابة على المياة البحرية اليمنية لمنع أي عملية تهريب للسلاح إلى جماعة الحوثي، وفي ظل عدم توافر ذلك، وعدم وجود نية لاتباع أحد المسارين السابقين، اتضح للسعودية أنها تتعرض لابتزاز أممي دون أي نتيجة ملموسة، الأمر الذي دفعها للاستعانة بمسقط لإرسال رسائل وتقريب وجهات النظر، وصولاً إلى زيارات سعودية لصنعاء غير معلنة.
في يونيو 2022، وقعت السعودية والحوثيون تفاهما أوليا يقضي بعدم عودة الطيران والقصف الجوي السعودي، مقابل عدم استهداف المملكة بصواريخ ومسيرات الحوثي، وكان هذا الاتفاق السري بين الطرفين إيذاناً بتوقف حقيقي لأعمال التحالف، وفي نفس الوقت أسس لحرب أخرى قد تنطلق في أي لحظة بين اليمنيين دون تدخل خارجي وهي بلا شك حرب مدمرة وتجهز لها جماعة الحوثي كل إمكانياتها.
فالأطراف الخارجية والتحالف خاصة وصلوا لدرجة اليأس من عقلانية الطرف المناهض للحوثي، وتعززت قناعاتهم أن الخلافات بين أطراف الشرعية عميقة، وكل طرف يهب للبحث عن مصالحه الحزبية والشخصية والفئوية والمناطقية، دون أي اكتراث لليمن الكبير وما يعانيه، وأن عداوتهم وبأسهم بينهم وكأنهم سلموا بأن الحوثي قدر، وأن قتاله واجب الخارج وليس واجبهم.
كل ذلك وأكثر يدفع الأطراف جميعها لمراجعة مواقفها وحساباتها، وتحاول أن تخرج من المستنقع اليمني الذي يريد الساسة والقادة اليمنيون استمراره ولا يرغبون بالخروج منه أو مغادرة مربع الخلافات والإحقاد، الأمر الذي أتاح للحوثي التحرك بأريحية تامة كطرف واحد وموحد ومتماسك وفرض على كثير من الدول التواصل معه عبر القناة العمانية، وقد يتم التوصل إلى توافقات معه تتجاوز تطلعات اليمنيين وكل الجماعات السياسية الأخرى، فالعالم لا يهتم بمصير الشعوب، بل بالمصالح، حتى ولو أتاح المجال للظلام والظلاميين بتصدر المشهد كما جرى في أفغانستان ونخشى أنه يتم تنفيذه في اليمن.