د. صادق القاضي
العلاقة "السعوثية" بين الواقع والممكن.!
مبدئياً، السعودية في علاقاتها الكثيفة مع مختلف الأطراف في اليمن. دولة لها حساباتها الخاصة المستقلة عن حسابات هذه الأطراف، وتتعامل بالمنطق العملي للسياسة. حيث لا عدو دائم ولا صديق دائم، وبموجب هذه الحسابات والمنطق يمكن أن تتحول في أي وقت من دعم طرف إلى دعم طرف آخر. بما يحافظ على أمنها وحدودها ومصالحها الاستراتيجية.
بعبارة أخرى. السعودية تدعم حكومة "الشرعية" اليوم. باعتبار هذه الحكومة امتداداً لنظام حافظ على أمنها ومصالحها طوال عقود سابقة، لكن في حال فشلت هذه الشرعية عن استعادة الدولة والسيطرة على البلاد، وهذا ما حدث طوال السنوات الثمان السابقة، فستضطر السعودية للتعامل مع الطرف الحاكم والمسيطر.
حدث مثل هذا من قبل، وإن بشكل مقلوب، خلال حروب ثورة 26 سبتمبر 1962م. وطوال ثمان سنوات كاملة، كانت السعودية هي أكبر داعم لما سمى "الشرعية الإمامية"، حكومة البدر، لكن عندما فشلت تلك الحكومة عن العودة إلى صنعاء، اضطرت السعودية عام 1970م لفتح أبوابها ومنح اعترافها للنظام الجمهوري.
اقتضت العملية، حينها، تخلي الجمهوريين عن نزعتهم العدائية تجاه المملكة، وإنهاء انحيازهم للنظام المصري في الصراع الإقليمي الذي كان قائما بينه وبين النظام السعودي، خلال تلك المرحلة، وبما يعني أن قبولها اليوم للاعتراف بالحوثيين، وتطبيع علاقتها بهم، يتوقف على تخليهم عن نزعتهم العدائية تجاهها، وقطع علاقتهم بإيران في الصراع الإقليمي الراهن بين الطرفين.
الحوثيون من جهتهم، وبعيداً عن مزايداتهم الثورية، وشعاراتهم الاستهلاكية، مستعدون مبدئياً لهذه الشروط، وبدون حتى اشتراطات مقابلة. ما تصرح به قياداتهم هذه الأيام من استعدادهم لحسن الجوار، وما يروج له إعلامهم بفرح وفخر عن لقاءات واتفاقات مع قيادات سعودية.. هو مغازلة وأمانٍ من هذا القبيل.
السعودية، من جهة أخرى، محكومة بمفردات الواقع على الأرض. 85% من مساحة اليمن خارج سيطرة الحوثي، ومتوزعة بين أطراف ومراكز قوى عسكرية ومدنية ضاربة لا يمكن للسعودية إقناعهم ببساطة بتسليم ما تحت سيطرتهم للحوثيين، والرجوع إلى صنعاء مجرد رعايا كما حدث مع القوى الإمامية في اتفاق عام70.
وبالتالي فإن اتفاق السعودية مع الحوثي في ظل هذه الظروف الإشكالية لا يقدم لها أي ضمانات بأبعاد استراتيجية، وعلى العكس فإن اعتراف التحالف الخليجي بالحوثي، على حساب الشرعية، سيتسبب بالضرورة بتفكك اليمن إلى عدة مقاطعات بمثابة دول، وسيظل الصراع بينها قائماً، وبالشكل الذي يهدد الأمن الإقليمي والدولي.
لكن هذا لا يمنع من تقارب "سعوحوثي" متزايد.. الكرة عموماً في ملعب القوى المناهضة للحوثي، استمرارها في التشظي والفشل في تحرير الأرض واستعادة الدولة.. يتم فقط على حسابها، والوقت ليس بصالحها. لن يظل العالم إلى الأبد يدعم "حكومة فاشلة"، ويعرض عن قوة مسيطرة على الأرض والدولة، حتى إذا لم تكن سيطرتها كاملة.