د. صادق القاضي

د. صادق القاضي

تابعنى على

لشباب ثورة فبراير. تحية.. وبعد!

Tuesday 14 February 2023 الساعة 02:25 pm

لا يمكن أن يمر يوم الـ11 فبراير من كل عام، دون حدوث جدل واسع في اليمن حول قيمة ما حدث في مثل هذا اليوم من عام 2011م. اليمن قبل هذا اليوم غير اليمن بعده، ما يجعله بحق، في ذاته، وبما ترتب عنه.. أحد أهم وأخطر المنعطفات التاريخية في تاريخ اليمن الحديث.

لا خلاف حول كارثية ما ترتب عن تلك الأحداث التي سميت "ثورة". الخلاف فقط في تقدير ذلك الحدث في ذاته: هل كان إيجابياً أم سلبياً؟ وبغض النظر عن كل شيء، يمكن رفع تحية عظيمة لكل الشباب الأنقياء الذين كانوا ضمن تلك الطليعة الثورية.

أولاً: لأن ما حدث كان ضمن عملية كانت أكبر منهم وحتى من اليمن، ما حدث في اليمن كان تجلياً محلياً لمشروع دولي بحجم العالم العربي، من المحيط إلى الخليج. من تونس إلى البحرين، ومن ليبيا إلى اليمن، ومن مصر إلى سوريا. ثم السودان والجزائر..

وثانياً: كانت نواياهم حسنة.. لكن النوايا الحسنة وحدها لا تكفي. كانوا يحلمون ببلد أفضل ومستقبل أجمل، لكن الواقع كان أقوى من الحلم، وقطاع الطرق أكثر من حراس القافلة، ومن سخرية القدر أن قطاع الطرق هؤلاء، كانوا من الملتحقين بالقافلة. 

والأهم هنا، ودائماً، هو أن قيمة الأشياء والأحداث العامة. خاصةً الانقلابات والثورات.. لا تكمن فيها بذاتها. بل بما يترتب عنها للصالح العام. حتى الدين يجب تقديره من واقع تجلياته الإيجابية في واقع الناس. دخولا في مسألة أيهما وُجد من أجل الآخر: الدين أم الناس؟!

على هذا المحك أثق بشدة بالعبارة العبقرية التي قيلت على لسان المسيح: "خلق السبت من أجل الإنسان، ولم يخلق الإنسان من أجل السبت". وبالمثل: وُجدت الثورات من أجل الشعوب، ولم توجد الشعوب من أجل الثورات.

وبالتالي كل الثورات قابلة للنقد. حتى ثورة 26 سبتمبر. فرغم كل إيجابياتها ليست، ولم تكن محصنة من النقد. كان أنبل رواد وعقول وثوار اليمن. مثل البردوني والمقالح وغيرهما. ينقدون تلك الثورة العظيمة. من حيث ممارسات بعض القيادات، وبعض أوجه القصور في تحقيق بعض أهدافها.

ثورة 2011 هي أولى بهذا النقد. خاصة وليس لها إيجابيات من أي نوع. وعلى العكس. ترتب عن فبراير كوارث مريعة بلا حدود.. كما هو ماثل بوضوح مأساوي على كل جوانب ومستويات الحالة اليمنية الراهنة.

ليس من العيب أن هذه الثورة فشلت. أكثر من 95% من الثورات في تاريخ العالم فاشلة. العيب فقط أن نظل نحتفل بالفشل. ونكابر ونقامر ونكايد ونزايد.. في حين يفترض أن نتوحد ونحاول الخروج من التبعات الباهظة لتلك الثورة الفاشلة.!

على الأقل أن نتوقف عن التمجيد العبثي لها.. وهذا في الواقع رأي أعداد متزايدة من أنبل الشباب والكبار الذين شاركوا في ثورة فبراير، وإن كانت أعداد متناقصة منهم ما تزال تغني لسحابة أمطرت العذاب.!

كانت بعض الشعوب الهمجية الغابرة تعبد إلهة يتقربون لها بضحايا بشرية.. بأولادهم الأبكار..! 

هل يفترض أن نقدس ثورة فبراير بنفس الشكل؟!

هذه صنمية سياسية غبية فجة بنفس القدر. من الغفلة والغباء والاستغباء والاستلاب أن نظل نقدس ونمجد ثورة لم تفشل فقط. بل أسقطت في الحصيلة النهائية: الدولة والجمهورية، والمدنية والوحدة.. وكل ما تحقق في ظل النظام الجمهوري. منذ ثورة سبتمبر 1962م.