كالعادة يستخدم الحوثي كل التناقضات وتحويلها إلى ما يمكن له الاستفادة منها على المستوى الإعلامي والثقافي والاجتماعي والديني والاقتصادي، هذه التناقضات التي تتنافى مع الواقع يبرزها الحوثي بشكل قوي مدفوع بحالة الناس المتردية التي أوصلهم إليها، في محاولة لإيهامهم أنها تتطابق مع الحقائق والواقع المعيش، من هذه التناقضات هي ما قام به الحوثي ووسائل إعلامه التي تدرب كوادرها على يد خبراء إيرانيين في هذا المجال، من حملة رافقت إطلاق سراح اللواء فيصل رجب، والتي عنونتها وسائل الحوثي الإعلامية "بالمكرمة" من قائدها.
اعتقل اللواء فيصل رجب منذ ثمانية أعوام وغير الآلاف من اليمنيين، ولاقوا في السجون أصناف العذاب وشتى أنواع الحرب النفسية، وعندما وجد الحوثي أن هناك فرصة يمكن استغلالها إعلامياً وخاصة بعد أن تم تنفيذ المرحلة الأولى من تبادل الأسرى ومنهم اللواء محمود الصبيحي، وترحيل اللواء فيصل رجب إلى المرحلة التالية، أوحى إلى بعض المغرمين بالحوثي ممن ينشطون عبر وسائل الإعلام، إلى تبني حملة قبلية تقدم من الجنوب إلى صنعاء للمطالبة بإطلاق سراح فيصل رجب.
تداول نشطاء الحوثي مصطلح "المكرمة" في صورة إيحائية لطمس الواقع والحقيقة، كيف أن تكرم شخصا لبث في الزنازين ثمانية أعوام، عانى فيها الكثير من العذاب، ثم تطلق سراحه لتحقيق أهداف أخرى، هل هذه مكرمة؟
ربما يعتقد الحوثي أن كل شيء يقدمه لأبناء الشمال هو مكرمة منه وفضلاً، على الرغم أنه لم يقدم شيئاً، فقط يعتقد أن ما يقدمه من محاضرات ودروس فكرية مشوهة مكرمة منه يجب على الناس الامتنان له، يعتقد أن من تبقى من اليمنيين على قيد الحياة مكرمة منه، ويعتقد أن من لم يعتقل من الناس مكرمة، ويعتقد حتى أن الأكسجين مكرمة يستحق عليها الشكر والثناء.
القتال في صف الحوثي مكرمة، والموت في سبيله مكرمة أيضاً، الولاء للحوثي مكرمة والتبعية العمياء له مكرمة أيضاً، هو يعتقد، بل يؤمن أن وجوده واستيلاءه على الثروة والسلطة مكرمة من الله لهذا الشعب، هكذا يعتقد ويفكر الطغاة أن كل شيء يقومون به هو مكرمة منهم، وكأنهم في حالة انفصال عن الإدراك الواعي بذواتهم.
الحوثي يريد أن يعود إلى الجنوب ويعتبر ذلك مكرمة منه للجنوبيين، ويريد أن يقدم نفسه لهم كحمل وديع وإنسان لا يحب الشر، حتى يتمكن منهم ثم يغرس مخالبه في أفئدتهم وينهشها كما يفعل اليوم بالشمال، ليس للحوثي مكارم.. إنه شر مستطير.