محمد عبدالرحمن

محمد عبدالرحمن

عندما تأتي الوحدة من عمق الانفصال: "الزُبيدي" وخطاب 14 أكتوبر

منذ 6 ساعات و 11 دقيقة

في زحمة الخطابات التي أذاعتها مختلف الوسائل اليمنية بمناسبة ذكرى ثورة أكتوبر، من مختلف الساسة والقيادات اليمنية سواء تلك الموجودة في الخارج أو المتواجدة في الميدان، سواء في صنعاء التي تهيمن عليها كل وسائل الاستعمار الإيراني، أو في عدن التي تحاول النهوض على قدميها واستعادة دورها كعاصمة للجنوب ومرتكزًا للمقاومة نحو الشمال، كان خطاب عيدروس الزُبيدي لافتًا وقويًا، وباعثًا للأمل في دواخل النفس المجتمعية في كل مناطق الشمال. فالتأكيد على بقاء السلاح الجنوبي سندًا وعضدًا لكل القوى الشمالية التي تسعى إلى تحرير صنعاء، يمثل فكرة الوحدة في المصير والهدف، فالمواجهة مع العدو الحوثي لا تقبل الانفصال والتجزئة في المسار والاتجاه.

تأكيد عيدروس الزُبيدي على استعادة الدولة الجنوبية، مطلب لا يمكن تجريمه أو تخوينه. فالحق أن يطالب أي سياسي أو مواطن بالفكرة التي يراها مناسبة لشكل الدولة أو السلطة، والحق لكل منطقة أو محافظة أن تطالب لنفسها بفك الارتباط إذا كانت تتعرض للإقصاء والتهميش والظلم من قبل الأطراف الأخرى أو السلطة المركزية. فالحياة يجب ترتيبها بما يتناسب مع طبيعة الظروف، وكذلك الدولة والحكم، ولذلك يأتي إصرار الزُبيدي على استعادة الدولة الجنوبية، ومعها استعادة صنعاء بالتوازي أو التوالي، في هذا الإطار.

فكرة الانفصال عززت من انتماء عيدروس الزُبيدي إلى الوحدة، فخطابه جمع شتات الشمال في رؤية صادقة للتحرر من الاستعمار الإيراني، وشكّل منصة تعزز من الوحدة في الذهنية المجتمعية في الشمال والجنوب. فمهما تنوعت واختلفت الأفكار والرؤى السياسية حول الانفصال والوحدة، إلا أن ذلك يبقى في إطار أسلوبه السياسي ولا يصل إلى عمق النسيج المجتمعي، الذي لن يفتته هذا التنوع والاختلاف مهما تكرس من واقع في اليمن، سواء في اللامركزية أو في دولة ذات كيانين.

الخطر الإيراني المتمثل في الميليشيات الحوثية يجمع كل الأطراف الوطنية نحو وحدة الهدف المعنون باستعادة الدولة وعاصمتها صنعاء، وتحرير المجتمع في كل مناطق الشمال. فالوحدة هنا فرض وطني وأخلاقي، ولا يشذ عنها إلا من يمتلك مشروعًا يتقاطع مع الحوثية ويسير في اتجاهها. وهذا ما أدركه الزبيدي في خطابه الصادق عن الوحدة نحو صنعاء، باعتبارها فرضًا وركنًا أساسيًا لأي استقرار في الجنوب، فكانت دعوته: "يا أهلنا في الشمال" تكشف عن الصوت الوحدوي والضجيج الوطني الذي يصرخ من أعماق الانفصال في وجدان عيدروس الزبيدي.

خطاب عيدروس الزبيدي يكشف عن نضوج واعٍ وإدراك للمتغيرات، ويعتبر شعلة يجب على بقية الأطراف الأخرى، وخاصة الشمالية، أن تعزز من بقاء وهجها وأن تستمر في التنسيق مع الانتقالي للمضي قدمًا، لاختراق حالة الجمود وإذابة شعور عدم الثقة بالآخر. فالجميع تحت دائرة الخطر إذا لم تكن الوحدة نحو صنعاء واستعادتها هدفًا مشتركًا، لا يلغي الحق في السعي للعمل على فكرة الانفصال أو الوحدة أو اللامركزية أو الدولة الاتحادية.