د. صادق القاضي
تبعية الحوثي لإيران.. ومستقبل القضية اليمنية.!
تبعية الحوثي لإيران سياسيا وأيديولوجيا، وتأثيرها عليه، وتوجيهها له، ودعمها له ماديا وعسكريا وفنيا ولوجستيا، طوال العقود الماضية، وحتى اليوم.. معلوم، ومؤكد بأكثر مما تكشفه الشواهد والوقائع الثابتة.
السؤال فقط هو: إلى أي مدى يمكن لهذه العلاقة التبعية التي أثرت سلبا بشكل جارف على قرارات ومواقف الحوثي، طوال السنوات والعقود الماضية، أن تؤثر إيجابا مستقبلا على مواقفه من الأطراف والقرارات والقضايا ذات العلاقة بالملف اليمني.؟!
إيران اليوم تحاول -جديا أو على سبيل المخاتلة- التخفف عن سياسة الخنادق والأبواب المغلقة، في علاقتها بقوى إقليمية ودولية كانت تضعها في خانة الإعداء، بجانب الشيطان الأكبر، على رأسها السعودية ومصر.
من المفترض أن ينعكس هذا التقارب إيجابا على مدى سخونة الحرب الباردة بين المحاور الإقليمية، وبالتبعية على الحروب الباردة والساخنة في المنطقة، كما في لبنان والعراق.. وسوريا واليمن.
أو هكذا يرى بعضهم، فيعلق الكثير من الآمال على فرضية أن هذا التراجع الإيراني، قد يؤدي إلى تراجع الحوثي في مواقفه من الأطراف والقضايا والقرارات ذات الصلة، بنفس القدر، وبما من شأنه الدفع بمباحثات الحل النهائي للقضية اليمنية.!
يعزز هذه الآمال أن الحوثي غيّر لهجته بشكل كبير من السعودية، وشارك بإيجابية في ملف تبادل الأسرى بينه وبين "الشرعية"، ولا يستعبد بعضهم أن يتعامل بنفس المرونة مع الملفات الأخرى العالقة منذ بداية الانقلاب.
بيد أنها آمال مبالغ بها للغاية، وناتجة عن سوء تقدير كبير لمدى العلاقة بين الحوثي وإيران، وبالتالي مدى تأثير هذه العلاقة على السياسات الحوثية، فرغم تبعية ومتانة هذه العلاقة، وشدة هذا التأثير. علاقة الحوثي بإيران تختلف مثلا عن علاقة حزب الله والأحزاب الشيعية العراقية بها.
للحوثي كيان وكينونة وجذور ومرجعيات.. مستقلة عن نظام الثورة الإسلامية في إيران، والأهم أن لديه مشروعا خاصا، أقدم من مشروع إيران، ومختلف عنه وإن تقاطع معه، وهو امتداد لمشروع الإمامة الطاعن في التاريخ اليمني.
هذا المشروع هو قدس الأقداس بالنسبة للحوثي، وهو ما يهمه أولا وأخيرا، وعلاقته بنظام إيران. هي علاقة براجماتية خالصة، تصب حصرا في خدمة هذا المشروع، وهكذا كانت علاقة القوى الإمامية بالسعودية قبل خمسين عاما.
بل كانت علاقتهم بالسعودية أشد. لكن عندما شعروا أنها ستتخلى عنهم. قلبوا لها ظهر المجن، في موقف جاحد عبر عنه شعرا أحد أكبر زعمائهم. "أحمد الشامي" في رسالته للملك السعودي فهد بن عبد العزيز:
قل لفهدٍ وللقصور العوانسْ .. إننا سادةٌ أُباةٌ أشاوسْ
سنعيد الحكم للإمامة إمّا .. بثياب النبي أو بأثواب ماركس
وإذا خابت الحجاز ونجدٌ .. فلنا إخوةٌ كرامٌ بفارسْ..
اليد السبتمبرية الضاربة هي فقط من أجبرتهم حينها على تجميد هذا المشروع مؤقتا، وكما تخلوا عن السعودية يومها، بشكل وقح، الحوثي اليوم مستعد للتخلي عن علاقته بإيران في حال ضمن خدمة مشروعه في كنف أطراف دولية أخرى حتى لو كانت معادية لإيران.
بمعنى أن علينا أن لا نراهن على قدرة إيران في كبح المشروع الحوثي، فعلاقة الحوثي بها نفعية لا وجودية، تكتيكية لا استراتيجية، وبالتالي: مدى تأثيرها عليه، لا يمكن أن يتجاوز الجوانب الإنسانية والقضايا الشكلية. لن يتخلى الحوثي عن كيانه ومشروعه بمجرد طلب أو ضغط من ملالي إيران.