أكثر من عام على أول هدنة طويلة الأمد مع مليشيا الحوثي، ذراع إيران في اليمن، لم يتغير الواقع ولم تنبثق مؤشرات على أن هذه الهدنة يمكن أن تأتي بثمار لصالح وقف الحرب واستعادة الحياة في كل اليمن، ولم يحدث أن تحولت الهدنة لصالح الناس ومعيشتهم سواءً في الشمال أو الجنوب، وعلى الرغم من أن عنوان هذه الهدنة هي المشاورات من أجل التوصل لحل كل القضايا، إلا أن الواقع يكشف أنها هامش من انشغالات الحوثي الأكثر أهمية منها والأكثر استراتيجية لاستكمال فرض سيطرته واستيلائه على الشمال حتى الآن.
انزوت أطراف الشرعية بعيداً عن الواقع خلال فترة الهدنة الطويلة، وانشغلت بأمور لا تمس قضية الناس واليمن، حيث إن قيادة الشرعية توارت عن المشهد بشكل كامل ولم تنشغل بالاتجاه الذي يسير فيه الحوثي ويستعد له، واعتبرت أن المشاورات هي النقطة التي يمكن أن تُعيد صنعاء والدولة، ولم تدرك بعد خطورة هذا الاعتقاد ليس عليها –لأن قياداتها لا يهتمون- بل على المجتمع الذي يدرك هذا الأمر بوعي بحاجة إلى قيادة.
أكثر انشغالات الحوثي خلال فترة الهدنة الطويلة هذه هو فيما يتعلق بالجانب العسكري، والاستعدادات لخوض معارك قادمة سواءً كان هناك تفاوض أو لا، لأن عقيدته ومشروعه أن يستكمل السيطرة على كل اليمن وأن يصل إلى حقول مأرب ونفط الجنوب، بينما تنشغل قيادات الشرعية وأطرافها بأمور لا تتعلق بالناس والحرب، لأن الوضع في المناطق المحررة شاهد على أن انشغالاتها بعيدة عن ما يجب أن يكون.
الحوثي لا يعتبر ان المشاورات في سلطنة عمان أو حتى الرياض، هي نقطة مفصلية في مسيرته لتدمير الدولة والمجتمع، بل إنه حولها إلى فرصة يستعيد فيها أنفاسه، ويلتقط أجزاءه المبعثرة ويعيد ترتيب حساباته وأولوياته على مختلف المستويات.
الحوثي يعيد ترتيب الوضع الاقتصادي والمالي ليصبح مندمجاً مع مصالحه، ويستمر في تجنيد أبناء المجتمع الشمالي ويغرس بذور فكره في عقول الأطفال ليصنع أجيالا خاضعة له، ويحشد قواته ويهيئها للحروب القادمة، ويستمر في نزع القناعات والعادات الاجتماعية التي تتعارض مع منهجه، ويستبدلها بتلك التي تؤمن لها حراكاً اجتماعياً موالياً له.
في المقابل لا أحد يعرف ماذا تقوم به الشرعية لمواجهة كل الإجراءات والخيارات والسياسات التي يقوم بها الحوثي، حيث إنها لا تؤثر على الشمال وحسب بل على الجنوب أيضاً ودول الجوار وخاصة الدول الخليجية، ولهذا قد تصبح هذه المشاورات عبارة عن ملهاة للشرعية وفرصة للحوثية.