عبدالقادر زايد

عبدالقادر زايد

تابعنى على

من أنت أيها الغريب؟

Thursday 15 June 2023 الساعة 03:28 pm

بداخل كل إنسان منا عالم مجهول لا يعرف الناس عنه شيئًا، منطقة خفية لا تطأها أقدام أحد ولا يتسنى لأي كان اكتشافها، مغارة محجوبة تقع في البعيد البعيد من أعماقنا الدفينة ليس بوسع الآخرين بلوغها أبدًا ولا الاهتداء إلى الطريق المؤدي إليها بحال.

يمكن القول إنه مكان بأقصى أغوارنا المظلمة لا يصل إليه الآخرون إطلاقًا، وإن حاولوا ذلك آلاف السنين والمرات. تلك بقعة مموهة بلا معالم واضحة لن يفلح أحد سواك في سبرها ولو كانت له فراسة العالم كله، لو امتلك أحداس الفلاسفة وفطانة العلماء ووحي الأنبياء -دون عون مباشر من الله- لن يتمكن من اجتياز ذلك السياج، وستخور ملكاته دفعة واحدة عند بوابة ذلك العالم السري، ويفشل في إنجاز المهمة.

 لدى كل واحد منا كهفه الخاص به، غار وحيه النفسي وقمرة وجدانه الشعورية واللا شعورية تنخبئ فيها انفعالاته الأشد سرية وتتكور بداخلها نفحات إلهاماته المستترة، تلك الاختلاجات الناتئة بعيدة الغور والمنيعة عن التداول، محجوبة عن أعين الناس بالكامل، لا يطالها حتى أولئك الأشخاص المقربون ممن يظنون أنهم أكثر إجادة على فهمنا وأقدر من يحيط بعوالمنا.

وعليه ففكرة الفهم التام للبشر، الإلمام الكلي والمطلق بالآخرين، والإحاطة الشاملة بهم، حتى لدى أولئك الذين بلغوا أسمى مراتب الألفة العاطفية والروحية وتجلت في علاقاتهم أرفع درجات الانسجام، مسألة متعذرة بعيدة المنال.. إنها مجرد فكرة خيالية، ادعاء متوهم وغبي، ومن المستحيل تحقق هذا الضرب من الفهم لدى شخصين ولو كان مستوى التناغم بينهما عاليًا، أو ربما وصلت معرفة كل منهما بصاحبه إلى مراحل متجاوزة.

لو كُشفت لأحدهم حقيقة الآخر كاملة لأدرك كم أن هذا الذي ظل يحفظه عن ظهر قلب قد أصبح غريبًا عنه، مختلفًا بالكامل، غيبيًا وغامضًا وغير مفهوم، وأن كثيرا من الأمور كان يعوزه الإلمام بها، ولو لم تكشف له الآن لما تمكن قط من معرفتها حتى وإن استمرت علاقتهما ألف سنة.

 تظل مسألة التفاهم بين البشر نسبية، والناس مستويات في فهم بعضهم البعض، ويبقى ذلك الهامش السري فينا عصيًا عن الإدراك والفهم، بعيدًا عن أعين الآخرين وأسماعهم، وبمعزل تام عن علمهم وإلى الأبد.

*من صفحة الكاتب على فيسبوك.