تعز وهي تعيش الحصار المميت الذي تفرضه الجماعة الحوثية منطلقة في ذلك من أسس قد يمكن الإشارة إليها على أقل تعبير بأنها عنصرية وطائفية، أفرز هذا الحصار إلى أن تنقسم المدينة إلى شطرين متجاورين ومتداخلين في الشوارع والسكن والسكان، الأول يخضع للحوثي بقوة السلاح لا بالولاء، والثاني تحرر بالقوة ورفع راية اليمن على قمة قلعة القاهرة، وما بين الشطرين للجسد الواحد روايات لواقع مأساوي سيكون سردية تاريخ يحكي عن حصار تعز.
أن تعيش مدينة مثل تعز أوضاع حصار لا نظير له من حيث شدته ومدته الزمنية، إنما ذلك يكشف عن صورة حقيقية عن المشروع الحوثي الذي لا يقبل أن يكون هناك ما ينافسه، فكراً وعقيدة وسيطرة، صورة تمثل الجوهر والأساس الذي تتحرك من خلاله هذه الجماعة في فرض سيطرتها والوسائل التي يمكن أن تستخدمها دون الاعتبار لأي معيار أخلاقي أو ديني، وفي هذا المنحى يكرس الحوثي جهده ووقته لأن يصبح الشطر المسيطر عليه من تعز لوناً وعقدة تدين له بالولاء.
يعتقد الحوثي أن بقاء واستمرار سيطرته على جزء من تعز سيغير الواقع لصالحه، ويجعل من أبناء تعز وقوداً لحربه ضد إخوتهم، أو يمكن استغلالهم وإقناعهم أن يتخلوا عن فكرة توحيد المدينة، مقابل حصولهم على امتيازات يدفعها لهم، وربما يتوهم أن تشديد الحصار ورفع منسوب المعاناة للمسافرين يمكن له أن يصبح ورقة ضغط ومساومة في أي مفاوضات والحصول على مكاسب في مناطق أخرى.
في الشطر الآخر من المدينة يعيش أجواء لا تشبه شطره الأول، ربما لأن القوى العسكرية التي تسيطر عليه انكبت إلى ما هو دون الحرب وتحرير ما تبقى من المدينة، تخوض صراعا على السلطة والموارد والنفوذ، وتركت الحد الفاصل مأوى للقناصة الحوثية، دون استشعار للمسؤولية.
يذهب شطر تعز الذي تسيطر عليه القوى العسكرية في منحى عكس اتجاه الاستعداد للحرب وتعزيز وتنسيق الجهود من أجل ذلك، وهذا خطر يحوم حول تعز إذا لم يكن هناك وعي حقيقي واستعداد مبكر يوازي الاستعدادات الحوثية ويفوقها.
لا تزال لدى الحوثي نوايا لأن يقتحم الجزء الآخر من تعز، قناصته لم تهدأ أو تتعب من التقاط الأرواح البريئة للمدنيين، ولن يتوقف عن ذلك، لذلك لن تتوحد بالحوار والتفاوض، وحدها البندقية والحرب والاستبسال يمكن استعادة جزئها المفقود، حيث يكون ذلك نواة لتحرير ما يليها، وهناك ينتظر الناس متأهبين.