وأنا طالب في الصف الخامس الابتدائي تقريبًا حبيت مربية الفصل.
كانت تستلطفني كتلميذ شقي وتقول لي كلمات رقيقة على الدوام مثل:
– ها حبيبي
– لا حبيبي ما ينفعش كذا
– سير ادي طباشير يا حبيبي
– امسح السبورة يا حبيبي
وعلى هذا الرحيل كل يوم لوما تبلطحت مشاعري داخل الفصل وبدأت آخذ الموضوع جد، وعشت الحب الأخجف سكتة من دون ما أقول لها “أحبك”، ومن دون ما أقول لها “أسير أدي لك طباشير يا حبيبتي”.
وبمرور الأيام صارت مربية الفصل عندي أهم حصة في المدرسة.
وطول السنة زملائي الطلبة يذاكروا، وانا اكتب لها شعر، وارسم لها في دفتر الواجب قلوب حمراء.
وكل يوم اسير المدرسة وانا فاقد لها شاموت.. واجلس في الفصل ومعي داخل شنطتي سندويتش “فول” رائحته تغطي على رائحة عطرها الخفيف.
وكانت تشل مني دفتر الواجب وتصححه في غرفة المدرسين، وترجع به إلى الحصة وقد شمها فول يضرب ملان الفصل!
وأما دفتر الواجب حقي فيكون شمه عطر يخليني أرقد الليل حادف له كأي عاشق متيم ومش عارف كيف يبوح بمشاعره لأستاذة مليحة، كثيرة اللطف معه.
في امتحان آخر السنة، كانت أوراق زملائي في الفصل مليئة بالإجابات، وورقة امتحاني مليانة رسومات لقلوب تخترقها أسهم من الوسط، مع الحرفين الأولين من اسمها واسمي.
شافتني مرة في الامتحان جالس ارسم لها قلوب حمراء، وقالت لي:
– جاوب على أسئلة الامتحان وخلي الحب والمحبابة بعدين.
كنت اشتي اسألها: بعدين متى؟
وما قدرت!
شافتني تأخرت في تسليم ورقة الإجابة، وقالت تحفزني بصوت لطيف:
– ما بللا اقطب يا حبيبي.. تأخرت كثير واني اشتيك تتقدم على الكل (قصدها اتقدم في مستواي العلمي).
وبحماس الشرقي “المُقعِّي” رحت أحلف لها أيمان مغلظة هاذيك الساع أنها كلها سنتين ثلاث بس واتقدم.
ابتسمت لي بلطف، وقالت بنبرة عتب:
– لااااا أني فدالك.. سنتين كثير!
تسارع قلبي الصغير بالنبضات لحظتها وانا منكبّ فوق ورقة الامتحان، وما دريت كيف اجاوب عليها، ولا كيف اقنعها أن سنتين أو ثلاث يا دوب تكفي الواحد على بال ما يرتب حاله للزواج ويشتري الدبلة والشبكة وبقية لوازم الفرح.
هاذيك السنة طبعًا رسبت ولم أنجح، بسبب خجافة تصوراتي، وعرفت حينها فقط أن مربية الفصل كانت تستلطفني كطالب ظريف في الفصل، ولكني رسبت في أول حب من خارج المنهج..
*نقلا عن موقع اليمني - الأميركي