محمد العلائي
شدائد اليمن واستثارة الدفائن العفنة الفاسدة
في حديثه عن حُب الأوطان،
يستشهد الجاحظ [توفي 255 هـ] بكلام لـ معاوية بن أبي سفيان في قوم من اليمن رجعوا إلى بلادهم "بعد أن أنزلهم من الشام منزلًا خصيبًا وفرض لهم في شئون العطاء".
فقال معاوية معلقاً على إصرارهم على الرجوع إلى اليمن: "يَصلون أوطانهم بقطيعة أنفسهم".
الله كم أثَّرت بي هذي القصة
سمحت لعاطفتي أن تكون عاطفة عجوز طيبة دمعتها قريبة كما يقال.
* * *
حتى بدون حرب وبدون إمامة وبدون انقسامات ونزعات انفصالية وبدون تدخلات خارجية وبدون الآفات التي نراها اليوم، حتى بدون هذا كله، اليمن بطبيعته وضعه صعب وشقي، الحياة فيه صعبة وشقية لأسباب متنوعة: مناخه وتربته وتكوينه وموقعه وتاريخه، بلد يشقى بكل ما فيه وبكل ما ليس فيه.
ولكم أن تتخيلوا أحواله وقد أضيف إليها كل هذه الآفات والبلايا والشدائد التي تتكالب عليه منذ سنوات!
في بلد وضعه مثل وضع بلدنا، الوطني والعاقل والمحترم هو من يبحث بنوايا شريفة صالحة عما يلطف الحال، ويحقق منه ما يمكن تحقيقه، ويبحث عن كل ما يجعل الحياة أسهل وأفضل مما كانت، ويحقق منه ما يمكن تحقيقه.
الوطني المحب لوطنه هو من يبحث عما يجعل الانقسامات أضيق، ويعمل على منع الكوابيس القديمة من الانبعاث، وفي المقابل يعمل على بعث كل ما هو زكي وطيب من التجارب والسوابق الحميدة الجامعة الممكنة.. ويبني عليها، وينطلق منها.
مش اللي ينقي لك الحامضة الحامضة،
يذهب لاستثارة الدفائن العفنة الفاسدة من طبقات الماضي المختلفة، ثم ينتظر أن تتقبلها منه ببشاشة على أنها هدايا شهية كريمة.
بالله عليكم كان ناقصني مثلاً صرخة وملازم وآل؟
وإلا هذي الحسبلة والحوقلة بمكبرات الصوت قبل الغروب؟
يعني هذا كل ما أسعفكم به خيالكم الذي تزعمون اتصاله بمُشكاة النبوة!
الله والدبور المحلق..!
* * *
ما فيش عاقل يقول لكم:
افعلوا شيئاً مهماً لخدمة الصالح العام!
فهذا يغنيكم عن ألف محاضرة وألف دورة دينية طائفية وألف خطبة فارغة من تلك الخطب التي تفرضون على موظفي القطاع العام الاستماع لها بالغصب كل أربعاء.
كونوا على يقين أن خطابكم "التثقيفي" ليس أقوى ولا أذكى ولا أبلغ من خطاب الدعاة الفاطميين الاسماعيليين الذين كانوا يقدمونه في "دُور الحكمة" و"مجالس الحكمة التأويلية" المذهبية في القاهرة وغيرها من المدن على امتداد شمال أفريقيا والشام واليمن والحجاز.
تلك المجالس المنظمة بدقة والمتنوعة بتنوع مراتب ودرجات المنتمي إلى دعوتهم.
اندثرت الدولة الفاطمية الشيعية واندثرت جهودها الدعوية والتثقيفية المذهبية معها:
شوفوا ايش هي المذاهب المنتشرة في الأقاليم الواسعة التي حكمتها تلك الدولة!
ولم يبق من الفاطميين سوى أثرهم العمراني والحضاري.
فما الذي سيبقى منكم؟
* جمعه نيوزيمن من منشورات للكاتب على صفحته في الفيسبوك