عبدالحليم صبر
الأحزاب السياسية بين انهزامية الأمس وكذب ومراوغة اليوم
لا تتوقف الأحزاب السياسية اليمنية عن السباق في الفراغ الذي يعتمد الكثير منه على المراوغه والكذب أمام كل ما يدّعونه من مسؤولية وتضحيات في سبيل استعادة الدولة، حتى شكل هذا الفراغ جدار عزل بينهم وبين قواعدهم الشعبية، لتصبح هذه الأحزاب لا تمثلهم ولا تعبر بأي حالة من الأحوال عن خياراتهم لا في اليمن الكبير ولا في تعز تحديداً.
فما تقوم به من تحركات ولقاءات وزيارات تصب في استمرار بقاء تعز خاضعة للعصابات التي صارت جزءا منها، ومن زاوية أخرى أنها أصبحت تعتمد بدرجة رئيسية على هذه العصابات التي مثلت اليد الطولى لتمرير وفرض واقع مر على المجتمع.
قبل أيام سمعتُ كلمة العميد طارق صالح أثناء لقائه مع قيادة السلطة المحلية وقيادة ما يسمى أحزاب تعز السياسية.
والحقيقة أنه لا حقيقة ولا واقعية في اللقاء غير كلام العميد طارق الذي تشعر أنه مسؤول أمام ما يريد، بينما تكتفي الأحزاب والسلطة المحلية بالبؤوس الذي تعيشه حيال تعاستها التي وصلت إليها وحالة غيابها أمام قضايا الناس.
كذبوا في المسؤولية تجاه كل ما يترتب عليهم فعله أيام المحافظ الأمين الدكتور أمين محمود، وراوغوا حينها، القائد الجمهوري عدنان الحمادي -رحمة الله تغشاه- حتى صاروا الخذلان الذي تعرض له الشهيد، والانتكاسة لمشروع الدولة الذي كان يحمله.. مع التحفظ بالعلاقات الشخصية للبعض، التي كانت لا تتعدى هزة الرأس وطبطبة الصدر.
اليوم نفس الشخوص والأسماء يقفون أمام طارق يوعدونه أنهم أحزاب صالحون من أجل تعز والوطن، بينما أمام رشاد العليمي يعبرون عن رفضهم لتحركات ((طارق المدعوم أماراتياً)).. وهذا التناقض هو سلسلة من المتلازمات النفسية التي يعيشونها منذ 2011م.
تقاسموا السلطة مع صالح وخرجوا ضده بحجة فساده.
تقاسموا حكومة الوفاق وكانوا أكثر فساداً من سابقيها.
تقاسموا مقاعد الحوار مع الحوثيين وخرجوا للحرب.
شاركوا في ثورة الشعب وأفسدوا المبادئ والقيمة النضالية لصالح الداعم الخارجي.
شاركوا في ثورة المؤسسات بتعز أيام الأستاذ شوقي هائل وأفسدوا قيمها النبيلة لصالح التقاسم والتحاصص بينهم.
اصطفوا مع فساد هادي.
اصطفوا مع فساد رشاد.
اصطفوا مع فساد الجيش.
اصطفوا مع فساد السلطة.
اصطفوا مع فساد المقاومة.
اختلفوا على عدنان الحمادي في تعز وقتلوه.
اتفقوا على الشدادي في مأرب وقتلوه.
أحبوا بحيبح ورموا به في البيت، أب بلا أبناء!
اختلفوا في تعز ودمروها.
أحبوا عدن وحرضوا عليها.
خانوا صنعاء وسلموها للعصابات.
دمروا فكرة الجيش وجعلوه عصابات تقطع وفيد.
دمروا فكرة المقاومة وحولوها لمقاولة بالقطعة.
دمروا فكرة الدولة و خسروها.
دمروا فكرة المؤسسات وأفسدوها.
رفضوا الجيش العائلي وبنوا جيشا أسريا.
رفضوا الجيش القبلي وبنوا جيشا حزبيا.
رفضوا الجيش المذهبي وذهبوا لتلغيمه بعناصرهم المتطرفة.
حشدوا الناس في مسيرات للتنديد بجرائم الحوثي ويرتكبون أفظع منها داخل المدينة.
حشدوا الناس في مسيرات لمواجهة طارق ونزلوا لمقابلته تحت شعار: 'توحيد الصف".
حشدوا الناس في مسيرات لتحرير تعز وأعلنوا في بياناتهم لإيقاف الحرب دون رؤية.
يشتكون فساد المؤسسات ويشاركون نبيل شمسان كل اجتماعاته وقراراته.. وهو رأس الفساد.
يشتكون الإتاوات وعناصرهم موزعة على كل نقاط ومداخل المدينة.
يشتكون التلاعب بالعملة ولهم من كل محل صرافة نسبة يتسلمونها.
يشتكون تهريب السلاح والأدوية وقيادتهم من تحكم المنافذ وتتحكم بمصائر المجتمع.
وهكذا فإن المتلازمات النفسية التي تمكنت من تدمير فكرة الدولة وفكرة المقاومة وفكرة الجيش على خارطة البلد كلها ما تزال مستمرة في نهجها دون خجل.
ولاعتبارات ساذجة تكمن في عدم الثقة بأنفسهم، ثم في ضعف قدرتهم على أن يكونوا قوى سياسية موحدة رديفة للقوة العسكرية من أجل تحرير تعز.. دأبوا التماهي مع تشتيت لواء الشهيد عدنان الحمادي "اللواء 35 مدرع"، ثم للتعاطي والقبول بقوة درع الوطن التي نشأت مؤخرا في جنوب اليمن دون معرفة الهدف منها، بينما ليسوا جادين ولا صادقين مع حراس الجمهورية التي أصبحت القوة العسكرية المُنضبطة الوحيدة في الشمال والتي ما زالت تعبر بوضوح عن رفضها لمشروع الحوثي، مقارنة بالقوة الوهمية في تعز ومأرب وحضرموت.
والحقيقة أن الأحزاب في تعز التي تقوم بتمثيلية خدعة على تعز وعلى العميد طارق باسم وحدة الصف، ولديها مخزون من المراوغة يتضمن حرف مسارات بوصلة الأهداف الواضحه استجابة لبعض التدخلات (..) التي تدار عبر سماسرة من الداخل، هذا أولاً، وثانياً، لصالح بقاء حضورهم الهش على واجهة المشهد السياسي.. ما يوحي أن اللقاءات والزيارات والوعود –التي لا مؤشر واضح لها حتى الآن– تحت شعار "وحدة الصف" المزعومة تتجلى في جعل طارق بالنسبة لهم مجرد ورقة في لعبة وليس صديقاً في معركة وطنية واحدة ضد مليشيا الحوثي، وهو ما ظهر جلياً في غياب موقفهم تجاه تشكيل مجلس المقاومة الذي جاء مخالفاً وانقلاباً لاتفاقية الرياض ولكل المبادئ التي تتحدث عن لمَ الجهود وتوحيد الصف.
بينما تجد طارق واضحا مع الجميع في حربه ضد الحوثي وهذا يحسب له، لكن ما يحسب عليه أن البعض ممن حوله يحاولون تقديمه أنه جزء من النظام السابق، وليس كيانا صاعدا من رحم الحرب، لتصبح هذه الحسابات السياسية أهم العقبات أمام حراس الجمهورية والمكتب السياسي (للمقاومة الوطنية) من الاتصال بفئات المجتمع الكبيرة التي تتخلق من خارج عباءة الأحزاب بقناعات مُجردة من أيديولوجية الماضي وصراعته.
إن هذه الحسابات لا تمثل الواقعية السياسية وليست جوهر المشكلة الحاصلة، لكنها بكل تأكيد تمثل الانهزامية التي باتت تشكل هاجساً مُقلقا لكل الآراء التي تتبلور بفكر وعقلية تجديدية لأن تكون حاضرة في مساندة أي قوة جادة وصادقة في مواجهة مشروع الحوثي.
أخيراً، إنني إدرك تماماً حساسية هذا الموضوع عند الأحزاب، وحرصت ألا استخدم الألفاظ التي تغضبهم.
ولكن الأهم من ذلك أنني لم آت بشيء من عندي، وكل ما فعلته هو أنني سردت حقيقة الدكاكين التي تسمى مجازاً "أحزابا سياسية".