"وقد تجاوبت قطاعات عديدة من المجتمع اليمني الشمالي بحماس حال إعلان الجمهورية.
وحال وصول أنباء الأحداث من صنعاء استولت لجنة شعبية مدنية في تعز على السلطة.
وتظاهر العمال اليمنيون في عدن تأييداً للجمهورية.
وأيد التجار الجمهورية العربية اليمنية بحرارة، وكذلك فعل اليمنيون الأحرار في القاهرة وعدن.
وسارت الجماهير الغفيرة في شوارع صنعاء وتعز والحديدة تهتف للجمهورية.
ولكن التأييد لم يقتصر على المدن أو على المناطق القريبة منها كما كان متوقعاً.. فقد هاجم الفلاحون في المناطق الريفية حول (إب) الشيوخ الذين كانوا يعاملونهم بقسوة ويجلدونهم عندما يمتنعون عن دفع الضرائب.
وقد أيدت القبائل الجبلية التي كانت تعارض الإمام أحمد الجمهورية، وأعلن اتحاد قبائل حاشد بزعامة عبدالله بن حسين الأحمر تأييده لها.
وتدفق آلاف من رجال القبائل إلى صنعاء يحملون العرائض التي تعلن استعدادهم للقتال من أجل السلال، رغم أن العديد منهم لم تكن لديهم أية فكرة عمن يكون السلال أو عما تعني الجمهورية".
فريد هاليدي، (من فصل بعنوان "الثورة والثورة المضادة"، نشر في كتاب "ثورة 26 سبتمبر دراسات وشهادات"، ضمن سلسلة مركز الدراسات والبحوث، ج1، ص75)
* * *
الوقائع المؤسِّسة في التاريخ الوطني هي ذكريات ننتمي إليها بَعدياً بشكل رمزي وعاطفي.
ليس شرطاً أن نكون نحن أو أحد أسلافنا المباشرين قد شاركوا في صنعها.
ليس شرطاً أن يكون لنا -كأفراد أو مناطق أو عائلات- أدوار تمثّلنا في الحدث العظيم المؤسِّس.
فنحن، بمناطقنا وجهاتنا وعرقياتنا وقبائلنا المختلفة، ننتمي إلى المعنى الذي نستخلصه من تلك الوقائع،
ننتمي إلى المبادئ العليا والقضايا التي آمن بها صانعو الحدث وقاتلوا في سبيلها.
هكذا تنشأ طقوس التذكر الجماعي مثلما تنشأ التقاليد،
إنها تنشأ -كما يقول أوزفالد اشبنغلر- من عَدوَى شعورية تنتقل بين جميع الذوات المختلفة، فيشعر كل بأنه مشارك في شعور واحد.
* جمعه نيوزيمن من منشورات للكاتب على صفحته في الفيسبوك