حسن الدولة
ذكريات عن اللحظات الأولى من فجر أيلول المجيد
الإهداء إلى أحد أبطال سبتمبر اللواء أحمد قرحش، مد الله بعمره.
أفقنا على فجر يوم صبي
فيا ضحوات المنى اطربي
بمناسبة قرب حلول الذكرى الواحدة والستين لثورة 26 أيلول/ سبتمبر المجيدة يسرني أن أذكّر شباب الثورة باللحظات الأولى من فجر ذلك اليوم الأغر الذي أعلن فيه ميلاد النظام الجمهوري.
وهي لحظات مستخلصة من كتابات أعضاء تنظيم الضباط الأحرار تم النكش في ذاكرة من التقيت بهم من اولئك الأبطال الذين حملوا رؤوسهم على الأكف ليصنعوا يوما من الدهر لم تصنع أشعته (شمس الضحى) بل صنعوه بأيدهم.
فما أروع ما سطرته اقلامهم وما احتفظت به ذاكرتهم ومنهم اللواء احمد جرحش الذي كان لصيقا للشهيد القائد محمد مطهر زيد مشاركا له في كل الحملات ابتداءً من الطلقة الأولى على دار البشائر وحتى استشهاد قائده الذي ظل وفيا لمواقفه مذكرا ببطولات احد اعظم قادة سبتمبر العظيم.
وأول من بدأ بالتدوين هو احد قادة الثورة المقدم عبدالله جزيلان، والذي لولاه لما تم انزال كتاب الضباط الاحرار الذي ضم عددا لا بأس به من الوثائق التي تذكرها كل من شارك في كتابة ذلك الكتاب الذي يمثل اعظم وثيقة سبتمبرية.
وممن شارك في لجنة إعداد تلك الوثيقة كل من صالح الاشول واحمد الرحومي وناجي الاشول.
وما تلى ذلك من مذكرات واخص بالذكر مذكرات اللواء الشهيد يحيى المتوكل وما كتبه شقيقه الأكبر اللواء احمد واللواء علي محمد الشامي واللواء محمد عبدالخالق احمد الفقية اغشاه الله بواسع الرحمة، واللواء علي عبدالله السلال، رحمة الله تغشاهم، واللواء احمد قرحش، مد الله بعمره.
وهذه المقالة هي من وحي ما سمعته مباشرة من أولئك الأبطال وما اختزنته ذاكرتي مما قد قرأت.
وقد كان اتفاق الأحرار على تفجير الثورة في تعز، حيث مقر الإمام احمد وحكومته إلا أن موته المفاجئ قد غير خطة الضباط الأحرار.
وقد سمعت من اللواء محمد علي الأكوع، رحمه الله، انه سمع سيف الإسلام اسماعيل بن الامام يحيى قبيل إعدامه انه ناشد الضباط ان يسمعوا منه قصة موت الإمام أحمد وانه هو من قدم كأس شراب فيمتو وقد وضع فيه سما قاتلا وذلك انتقاما لشقيقيه سيف الإسلام عبدالله، أمام انقلاب 1955م والعباس، إلا انهم اطلقوا عليه الرصاص دون ان يمهلوه لإكمال الرواية.
ويروي الأستاذ أحمد جابر عفيف رواية في غاية الأهمية، أن القائم بأعمال السفارة المصرية محمد عبدالواحد، قد اتصل به الضباط بواسطة الشهيد علي عبدالمغني وطلبوا منه إبلاغ الرئيس عبدالناصر بان الضباط الأحرار بصدد إعداد خطة للثورة فطلب منهم الأسماء وما هي أهداف الثورة ليعرضها على القاهرة وينتظر الرد إلا أن القائم بأعمال السفارة كان ضابط استخبارات ويعرف كيف يجنب بلاده من التورط.
فقد أبلغ مصر بتلك القائمة كما أبلغ الإمام البدر بها أيضا، وفي ذات الوقت أبلغ الضباط بأنه عرف أن هناك من سرب للإمام خبر القيام بالثورة.
وهو بهذه الطريقة قد قدم خدمة للإمام وللثورة فإن فشلت الثورة فستظل علاقة الإمام بمصر قوية لأنها من ابلغته بالثورة قبل حدوثها وإن نجحت فقد كان له الفضل في تقديم ساعة الصفر وحافظ على حياة الثوار الأحرار من ان البدر يخطط للقبض على الضباط الأحرار.
وفي يوم الأحد الموافق 22 سبتمبر اتفق الضابط على الثورة وتم مفاتحة الزعيم حمود الجايفي على قيادة الثورة؛ وقد وعدهم ان يمروا عليه صباح اليوم التالي فلما مر عليه المقدم عبدالله جزيلان والملازم احمد الرحومي وجدوه قد سافر إلى الحديدة فتبعاه وهما يقلان موتور سيكل يملكه عبدالله جزيلان الى الحديدة، والتقياه لكن الزعيم الجايفي طلب منهم التريث لانهم لم يجدوا ما يبرر القيام بالثورة على البدر الذي كان يحظى باحترام الضباط وكان ناصري الهوى أيضا.
وفعلا عادا وابلغا التنظيم وكان اتخاذ قرار تفجير الثورة المجيدة وصنعوا يوما تاريخيا جديدا لليمن فجر الخميس السادس والعشرين من سبتمبر المجيد.
ففي هذا اليوم الأغر قررت اللجنة القيادية لتنظيم الضباط الاحرار والمكونة من:
1- النقيب عبداللطيف ضيف الله
2- م /1علي عبدالمغني
3- م /1 صالح الاشول
4- م/1 احمد الرحومي
5-م /1 محمد مطهر زيد
6- م1 علي قاسم المؤيد
وتم إعطاء التوجيهات بالتحرك للمقدم عبدالله جزيلان فكان هو أول من وجه بالتحرك ليلة 26 من سبتمبر 1962 لتفجير الثورة المجيدة.
ففي الساعة 8 مساء أقرت القيادة فتح مستودعات الذخائر والأسلحة الخفيفة وتوزيعها على الضباط ونقل ذخائر الدبابات إلى موقع الدبابات في فوج البدر عن طريق أسطح ثكنات الفوج والكلية الحربية الكائنة بباب اليمن.
وقد شارك الملازم محمد عبدالخالق في نقل تلك الذخائر من فتحات ادخنة المطابخ - السيات - حسب رواية الأخير وهو احد الذين تحركوا تحت قيادة الشهيد علي عبدالمغني إلى جولة الشراعي - قرب مقبرة خزيمة.. كما انه احد الذين رافقوه إلى صرواح.
وقد حكى لي قصة استشهاد قائده، لا يتسع المجال هنا لسردها.
وبعد إنجاز مهمة نقل الذخائر تقرر عقد اجتماع عام بمقر القيادة -الكلية الحربية- في الساعة 9 مساء.
وقد حضر هذا الاجتماع جميع الخلايا التنظيمية المتواجدة في صنعاء وكذا عدد من الضباط الذين لم يكونوا قد التحقوا بالتنظيم بعد وعدد من أبناء المشايخ ممن كانوا متواجدين في صنعاء لمبايعة الإمام البدر الذي تلقب بالمنصور.. عقب وفاة ابيه الإمام أحمد في 19 سبتمبر.
وقد حدد ذلك الاجتماع بغية توزيع المهام التي كلف بها كل ضابط.
وقد شارك في توزيع المهام كل من المقدم عبدالله جزيلان والملازم اول علي عبدالمغني والملازم اول محمد مطهر زيد، وقد كلفوا بإبلاغ الضباط الملازم صالح الاشول الذي بدأ قبل توزيع تلك المهام بإلقاء كلمة توجيهية قصيرة للضباط الذين سيقوم بتوزيع المهام عليهم حسب التكليف الآنف الذكر قال فيها بأن الوقت قد حان لتفجير الثورة ضد التسلط الإمامي الغاشم وأن الموقف يتطلب التضحية من الجميع.
ثم وجه الجميع بالتحرك كل إلى موقعه حتى تصدر لهم التوجيهات وبعد ان تحدد لحظة التحرك -ساعة الصفر- وفي الساعة 11 مساء انطلق الثوار بجرأة وشجاعة عظيمتين ليصنعوا يوما مجيدا محققين بذلك منعطفا تاريخيا يقود الإنسان اليمني إلى حياة جديدة حياة العزة والكرامة.
كانت القوة المعدة للهجوم على دار البشائر -مقر الحكم- تتكون من ست دبابات وعدد من المدرعات المصفحة -سبق توضيح ذلك- وانضمت إليها دبابة سابعة بقيادة الملازم البطل عبدالكريم المنصور حيث كانت مرابطة في موقع بئر خيران.
وحينما ظهرت أول دبابة أمام دار البشائر قام أفراد الحرس الملكي بإغلاق البوابة ووضع مصفحة من الداخل للحيلولة دون فتح الباب وإطلاق النيران الكثيفة على القوة المهاجمة وتقدم الملازم محمد الشراعي بدبابته لاقتحام البوابة مما أدى إلى انهيار السور عليه وقام احد مرافقي البدر بصب البترول على الدبابة واشعال النيران فيها.
وقد استشهد طاقمها وهما الملازمان محمد الشراعي وعبدالرحمن الزين أو المحبشي والمساعد أحمد الجاكي.
وأصيب بطلق ناري محمد حسن السراجي وهو ينادي الحرس الملكي بالاستسلام.
وبدأت القوة المهاجمة بالقصف من عدة جهات واستمر القصف إلى قرب الفجر.
وتحركت دبابتان لاحتلال منطقة قصر بئرخيران بقيادة الملازمين عبدالكريم المنصور وعبدالكريم الحوري ومعهما ضباط الصف قاسم الروحاني وعبدالله احمد فرج والملازم أول علي الشامي وحميد دحان الداعري وعلي الجعدبي.
وتوجهت دبابتان إلى قصر السلاح بقيادة حسين شرف الكبسي وعلي محمد الشامي ودبابة إلى دار الوصول -القصر الجمهوري حاليا- بقيادة الملازم علي الحيمي ومعه الملازمان عبدالرحمن السوسوة وعلي الحجري.
وتحركت دبابة بقيادة الملازم صالح الأشول ومعه الملازمان محمد الوادعي ومثنى الحضيري والملازم علي ابولحوم ومدرعة بقيادة الملازم علي قاسم المؤيد ومعه الملازمون احمد الناصر وعبدالله ضيف الله وعبدالعزيز البرطي ومحمد النهمي وعلي البهلولي وطاهر الشهاري إلى مبنى الإذاعة لاحتلالها.
وقد تمكنوا من ذلك بدون مقاومة باستثناء بعض طلقات نارية أصابت إحداها علي ابولحوم من مسؤول حامية الإذاعة الضابط حسين الحرازي والذي لم يتجاوب معه أحد من الحراسة ويرجع الفضل في ذلك للدور الذي قام به الأستاذ عبدالوهاب جحاف لاقناع أفراد الحراسة بالمشاركة في الثورة كونهم من أبناء منطقتة وتواجد ليلتها مع عميد الأدب الشاعر والاديب والمناضل الكبير الاستاذ عبدالعزيز المقالح بمبنى الإذاعة لعلمهما المسبق بموعد قيام الثورة.
وقد كلف الملازم حمود بيدر بمهمة نزع أبر النار من على المدافع التي بموقع جربة، المدافع خلف قصر السلاح وإخراج المدفعية الميدانية من العرضي الدفاع - الطبشية - وارسالها إلى موقع منطقة خزيمة والسيطرة على مقر قيادة المدفعية بالتعاون مع أفراد الحامية المرابطة في عرضي الطبشية.
وكلفت قوة رئيسية من المدفعية لاحتلال منطقة خزيمة -جولة الشراعي حاليا- بقيادة الملازم محمد مطهر زيد ومعه الملازم محمد احمد عبدالخالق الفقيه وكانت مهمتهما معاونة الدبابات المهاجمة لدار البشائر وضرب أي تحرك مضاد من قبل القوات المرابطة في العرضي أو العرضي الدفاعي ومعه الملازم محمد الديلمي والملازم يحيى الفقيه والملازم يحيى المتوكل والملازم حسين المسوري والملازم محمد غالب الشامي والملازم محمد الثلايا والملازم احمد الوديدي والملازم محمد عشيش والملازم محمد حسن العمري والملازم محمد صالح الذيب والملازم حسين عبدالعزيز والملازم البطل الشهيد قاسم الأمير والملازم عبدالكريم الامير والملازم محمد السنحاني والعريفين احمد احمد الشعوبي وأحمد الشقاقي.
وكان لهذه القوة دور كبير في توجيه ضربات دقيقة من بعد الفجر على دار البشائر ودار الشكر حتى توقف الحرس الملكي عن المقاومة والاستسلام.
وقد تمكن الامام المنصور البدر من الهروب إلى منطقة همدان بمساعدة حراسه وبعض جيرانه.. بعد أن أرسل رسالة حملها الملازم صالح العراسي إلى الضباط الأحرار بالتنازل سلميا كما عمل الضباط الأحرار المصريون إلا ان المقدم عبدالله جزيلان رفض الاستجابة لذلك الطلب الذي كان سينقذ اليمن من تلك الحرب التي استمرت أكثر من ست سنوات، وادت إلى تدخل السعودية مع الملكيين بالمال والذهب ومصر مع الجمهوريين بالسلاح والرجال.
ومع ذلك انتصرت الثورة بعد خروج المصريين الذين كان تدخلهم رغم تضحياتهم العظيمة مبررا للقبائل لمقاومة الجمهورية، كما أكد ذلك كبير قادة الملكيين وهو الفريق قاسم منصر في رسالة وجهها الى الشيخ عبدالله قائلا نحن مع الجمهورية إلا أن التواجد المصري هو المؤخر لنا عن الانضمام إلى الصف الجمهوري فكل الضباط أصدقائي".
وفي الختام أحيي كل الضباط الأحرار وأخص أصدقائي من الأحياء:
- اللواء أحمد قرحش
- اللواء حمود بيدر
- اللواء عز الدين المؤذن
- اللواء احمد الناصر
- اللواء احمد الجرموزي
ولتحيا الثورة والخلود لشهدائها الأبطال وفي مقدمتهم الشهيد الملازم أول محمد مطهر زيد وزميله الملازم علي عبدالمغني.
* من صفحة الكاتب على الفيسبوك