تحدثت بعض وسائل الإعلام عن مصادر مطلعة أن من المتوقع إعلان اتفاق يفضي إلى هدنة طويلة الأمد. وأياً كانت هذه الأخبار عن اتفاق أو سلام دائم سواءً في الرياض أو غيرها من العواصم العربية، المهم هو ما يتعلق بالتساؤلات التي تدور بين الناس تبحث عن إجابة هل الحوثي يؤمن بالسلام فعلاً وهل سيترك الشمال يعيش في حرية وأمان، وأن يقبل حرية وفكر ومعتقد الآخرين، وهل يمكن له أن يقبل بمشاركة الآخرين في السلطة والثروة؟ وتساؤلات أخرى أثارتها الدهشة من تلك الأخبار التي تتحدث عن قرب التوصل إلى اتفاق.
الحرب هي وسيلة الحوثي لأن يستمر في سيطرته على الشمال، فكيف يقبل العقل أن يجنح للسلام قبل كسر شوكته وإسقاط سلطته في صنعاء، فذهابه إلى توقيع اتفاق في ظل عدم وجود متغيرات هو أمر محير، وفي نفس الوقت يلفت الانتباه، ويجعل من قراءة تكتيكاته وخططه المرحلية أمراً بالغ الأهمية لمعرفة خطواته المقبلة ودوافعها، وخاصة أنه لا يزال في هذا التوقيت يحشد كل إمكاناته لترتيبات حروب قادمة وليس لأمر مثل السلام الذي لا يتطلب أن يكون مستعداً للحرب مرة أخرى.
الشواهد على الأرض تتحدث عن عدم مصداقية الحوثي في الذهاب إلى اتفاق سلام، ليس تلك الشواهد فقط في الميدان اليمني، بل ما يجري في المنطقة، فالتوتر في المنطقة يدفع إيران لأن يبقى الحوثي في حالة حرب وتهديد مستمر للسعودية وللمياه الدولية في باب المندب، لا تزال إيران تعتمد في هذا التوقيت بشكل كبير على الحوثي في خوض معاركها وتصعيدها في المنطقة.
من الممكن في حال أن إيران ترى أن مصلحتها مع السعودية تتطلب حضور الحوثي لتوقيع اتفاق، لكن هذا لا يلبي كل مطالب إيران ولا يعني أن ذلك سيكون نهاية لاستخدام هذه الجماعة حسب مصالحها، ولكن الأمر أبعد من ذلك طالما بقيت جماعة الحوثي تسيطر على الشمال وتهدد مصالح اليمنيين والخليجيين بشكل عام.
في هذا التوقيت استخدمت إيران الحوثي في محاولة امتصاص غضب الشارع العربي من الوهن الذي أظهرته في الحرب على غزة، وتنكرها لما كانت تنادي به سابقاً بشأن دفاعها عن فلسطين، فالشعارات التي كانت ترفعها تم اختبارها وفشلت فيها، ولم يكن أمامها إلا أن تدفع بالحوثي لإرسال الصواريخ والمسيرات تجاه إسرائيل حتى وإن لم تصل، فالإعلام كفيل بتضخيم الحدث وربطه بما يسمى محور المقاومة وعلى رأسها إيران.
وعلى الرغم من ذلك سنجد أن مصداقية الحوثي في الذهاب إلى الرياض أو غيرها لتوقيع اتفاق، مرتبط بالمحدد الإيراني، أما في الداخل فلا يوجد أي مؤشرات حقيقية على مصداقية الحوثي في السلام وترك اليمنيين يعيشون حياتهم بعيداً عن الخوف والتهديد والحروب والاعتقالات المستمرة.
يتساءل الناس عن الضغوط التي مارستها الشرعية أو السعودية لأن يقبل الحوثي بوجود اتفاق، فلا شيء تم استخدامه لأن يتم الضغط عليه ويجبره على القبول بالسلام، لا عسكرياً ولا سياسياً، فالحوثي مستمر بإعداد نفسه وكأنه سوف يسيطر على كامل اليمن وأنه سيتحرك نحو الجنوب ويسيطر على مأرب، فأي بنود اتفاق سيوقعه الحوثي في طريقه نحو السلام، فهو دوماً يتجه نحو الحروب في الداخل ليكرس سلطته وفي الخارج لينفذ أجندة إيران ومصالحها في المنطقة.