سامي نعمان
مسؤول متميز وسط غابة من الفوضى والتوحش والفيد
تخسر تعز اليوم أحد أبرز مسؤوليها الذين رسخوا مداميك الدولة ومثلوا على مدى سنوات نموذج أمل وحياة للمدينة المنكوبة بقياداتها المحاصرة من العنصرية الحوثية.. العقيد الدكتور منصور العبدلي مدير جوازات تعز السابق.
المسؤول المحترم في هذا الزمن الأجدب هو من يجتهد للقيام بوظيفته وسط مسرح من الفوضى والفهلوة والعبث والابتزاز القذر أو استخدام كتائب التواصل الاجتماعي لتلميع الهواء والهراء.
يحسب لهذا الرجل أنه أعاد تشغيل فرع المصلحة في تعز بجهد أقرب لأن يكون شخصياً.
سمعت قصصا كثيرة من مطلعين عن معاناة كبيرة وكيف عمل على إعادة التجهيز للافتتاح في قصة ملهمة، غاب عنها كل جهد وحضر في النهاية من يسعى للكولسة وحيازة المنصب، حينه.
فتح جوازات تعز لم يكن مجرد مصلحة أو خدمة عادية للناس إذ مثل عودة للحياة في المدينة المنكوبة، شكل انتعاشة اقتصادية فتحت على إثرها الفنادق واشتغلت المطاعم والبقالات وانتعشت الحركة التجارية والنقل ووكالات السفر بسبب توافد اليمنيين من مختلف مناطق الجمهورية إلى تعز.
عادت الحياة إلى حي المرور ووجد المئات إن لم يكن الآلاف فرص عمل مباشرة وغير مباشرة بسبب تشغيل جوازات تعز.
ومن زار فرع جوازات تعز كان له أن يدرك إلى أي مدى وصل مستوى الانضباط والكفاءة والإنجاز كأكثر مؤسسات الدولة في المدينة المحاصرة انضباطا وانجازا ومسؤولية في غابة من التوحش والفيد والهلع والتقاسم واستغلال كل القيم والجروح لمصالح ذاتية انتهازية.
لم يكن سهلاً البتة؛ الصراع الذي خاضه العبدلي في الجوازات مع قيادات محلية وعسكرية سعت على مدى سنوات لتحويل الخدمة الى كعكة تقسم بالحصص.. خاض صراعاً صامتاً لم يكن يخرج أخباره غالباً إلا حضور الرصاص والقذائف في وجهه وضداً على مصلحة الناس.
كافح العبدلي للحفاظ على وظيفة وسمعة مؤسسة ودورها في خدمة الناس إلى حد كبير وبدون تمييز.. كان المواطن الأشعث يستخرج جوازه بالرسوم الرسمية التي لا تتجاوز 10 آلاف ريال دون أن يدفع فلساً إضافياً بدون سند رسمي ودون أن يتعرض للسمسرة.
وضع المدير كاميرات المراقبة في مكتبه على كثرة انشغالاته وكان يتابع الموظفين المشغولين بالسمسرة ويغادر مكتبه لضبطهم أحياناً.
كان هناك قداسة للجرحى والحالات الإنسانية، لكن كل قيمة إنسانية ووطنية في تعز يحولونها ضرباً من الابتزاز لإفساد قيمتها.
حدثت سمسرة وتقاسم برعاية وأوامر عليا.. تدخل الجميع بهلع في إدارة الجوازات وتكالبوا عليها وكل أراد حصته، لبيعها عن بعد..لا يمكن أن تترك مؤسسة للعمل بنجاح وتشجع على ذلك.
اختُطف العبدلي عام 2017.. في حادثة أخرى استشهد عمار الصراري أحد حراسه في إطلاق نار على منزله كما أتذكر.
تعرضت المصلحة لهجمات عدة.. في إحدى المرات كنت في الإدارة للتعريف بصديق وزوجته قدما من حجة.. وكان بجانبي على الدرج الحديدي مسؤول من الدرجة الثانية في المصلحة، فهمت لاحقاً أنه كان ينتظر سقوط القذائف، وما إن رآها حتى هرع للداخل "احموا المدير في هجوم على المصلحة"!
وفيما كان البعض يعزو القذائف والنيران التي تساقطت بجانبها إلى الحوثيين اتضح لاحقا أنه فعل خسيس ومأجور للابتزاز من الداخل.. جنود بالخارج اعتقلوا شباباً كانوا يصورون القذائف واتهموهم بأنهم مصححون للإحداثيات، لإكمال إخراج سيناريو المسرحية.
الموضوع مسرحيات ترهيب وابتزاز إجرامي عابث بأرواح ومصالح الناس خصوصاً المئات الذين يتجشمون عناء الحضور من حجة والمحويت وإب وغيرها.
ابتزاز وقح وسافر تعرضت له المصلحة وإدارتها في تعز لم يتوقف يوماً منذ إعادة فتحها مع مراحل طوال من الهجمات والاجتماعات العلنية والنقاشات حول تقاسم ريعها وفرض رسوم إضافية بمسميات مختلفة، وتخصيص جوازات بالحصة لجهة كذا وفلان وعلان..
كان التعامل المسؤول غالباً هو سيد الموقف من قبل مدير الجوازات منصور العبدلي، رغم أن قرارات التوقيف والحلول كانت تدخل ضمن عبث اللجنة الأمنية الهزيلة، وإكمالها لفصول المسرحيات.
مرة طلبت من أحد الزملاء أن يتواصل بالدكتور منصور ويأخذ تصريحاً منه ذات اعتداء طاله شخصياً من أحد من يوصفون بالمفصعين العسكريين فرد عليه "ما فيش داعي لو سمحت.. بعض الأخبار تخدم الحوثيين وتشوه سمعتنا، خلاص بنحلها مع الجهات المعنية".
أنا من فريق يؤيد التغيير في كل المؤسسات الحكومية حتى لا تؤخذ بأنها إقطاعية أو ملكية خاصة؛ أو أن الله لم يخلق أحداً قادراً على فعل وإدارة مؤسسة مثل فلان.. الناس يذهبون وتبقى الدولة ويبقى الأثر وهذا هو النجاح.. وقد يأتي الأصلح والأفضل، في نجاح يحسب للسلف أيضاً خصوصاً إن كان من مرؤوسيه.
لكننا في تعز نرى تراكماً خطيراً للفشل؛ مؤسسات وجهات ومكاتب مشلولة او مشغولة بتقاسم الايرادات مع القيادات لم يلتفت لها أحد، فيما يطال التغيير مؤسسات ناجحة كالجوازات وقبلها الشرطة العسكرية..!
لم أكتب يوماً ثناء على جهود الدكتور منصور باعتباره يقوم بوظيفته، رغم أني كتبت أكثر من مرة دفاعاً عن المصلحة كمؤسسة وعن مصالح الناس في وجه العبث.. في الحقيقة لم ألتق الدكتور إلا لمراجعة مثل بقية الناس، دون أن يعرف من أنا.. كنت أظل في الطابور من بداية اليوم إلى نهايته أحياناً لتجديد جوازي أو لمعاملة أسرتي، كواحد من الناس.. ولأني كذلك أدركت قيمته، ومدى احترام الناس له.
يستحق العبدلي التقدير اليوم والثناء في ختام مهمته كمدير لجوازات تعز.. وكل التحية والتقدير للدكتور منصور العبدلي.. رجل الدولة المهني الملتزم وسط غابة الفوضى في تعز الذي سيسلم برضى ومسؤولية مدركاً أن الدولة أبقى من الأشخاص ومنتظراً مهامه التي ستوكل إليه.
ونتمنى في عهد خلفه أن يستمر أداء مؤسسة الجوازات في تعز لوظيفتها بالحد الأدنى، كما كان، أو بأفضل.. نأمل ذلك.. وسنراقب.
* من صفحة الكاتب على الفيسبوك