د. ياسين سعيد نعمان
ملاحظات على هامش ندوة الأحزاب
في الندوة التي نظمها مركز صنعاء للدراسات حول السلام في اليمن اليومين الماضيين، وشارك فيها عدد من الأحزاب اليمنية، أكد المتحدثون من الأحزاب المنضوية تحت لواء الشرعية على أنهم لا يعرفون شيئاً عن مشروع الاتفاق الذي تم بين المملكة العربية السعودية والحوثيين إلا من خلال ما سرب من معلومات.
وفي ضوء ما اطلعوا عليه من تسريبات إعلامية ذهب بعضهم إلى نقد "الاتفاق" بصورة بدت كما لو أن ذلك النقد، لاتفاق افتراضي، هو بمثابة تخطي حالة من العزلة المفروضة على هذه الأحزاب من قبل القيادة الحكومية، أو أنه محاولة ذكية لاتقاء ما قد تتحول معه التسريبات إلى حقيقة.
ولا أدري ما إذا كان ذلك يعكس فجوة بين المكونات الحزبية والسياسية والإدارية للحكومة اليمنية، أم أنها الحقيقة التي أرادت القيادة أن تعبر عنها بلسان منظومتها الحزبية، أم أنه يعكس رؤى تتجاذبها تقديرات متباينة داخل المنظومة القيادية.
كان المسموع إلى وقت قريب هو أن المملكة العربية السعودية، قائدة تحالف دعم الشرعية، والداعم الرئيسي لاستعادة المركز القانوني لشرعية الدولة، نأت بنفسها عن القيام بأي اتفاق مع الحوثي بمعزل عن الحكومة اليمنية، وأعلنت أنها، كوسيط، قد قدمت لكل من الحكومة والحوثيين مشروع اتفاق للنقاش، بخطوات، من شأنه أن يُوصّل الجميع إلى مائدة المفاوضات النهائية من أجل سلام شامل، وأنها ستواصل الاستماع إلى ملاحظات الجانبين بشأن المشروع.
غير أن متحدثا باسم الحوثي يتداخل في الندوة بحديث طويل يؤكد فيه أن هناك تفاهمات استراتيجية مهمة مع السعودية تتعلق بعدة جوانب سياسية واقتصادية، مع التفاهمات على ملفات سيادية لا يمكن التفاهم بشأنها إلا مع السعودية.
ما الذي يجري إذاً؟
إذا تجاوزنا ما أراد ممثل الحوثي أن يحدثه من مشاغبة وإحراج، ثم إرباك عند المتابع، بقوله إن هناك اتفاقاً ثنائياً قد تم مع المملكة "وهو استراتيجي وسيادي وهام"، فقد كان لا بد للأحزاب التي تمثل الدولة وشرعيتها الدستورية وتوافقاتها السياسية أن تتحدث بلغة لا تستند على التسريبات الإعلامية وإنما بالاستناد على معلومات من واقع ما يجري في أروقة المباحثات التي جرت بين المملكة والقيادة السياسية.
والعالم كله يعرف أن هناك لقاءات تمت مع مجلس القيادة والمسئولين في المملكة حول هذا الموضوع.
فنحن أمام منعطف سياسي لا يحتمل التخمينات.
وفي حين تكلم الحوثي بتلك اللغة التي عكس فيها ما يسعى إليه بنغمة الواثق أنه سيتحقق بصور لا تخلو من تعبئة مواليه، في حين تحدثت أحزاب الشرعية مستندة إلى التسريبات الإعلامية وعلى نحو بدا معه الأمر وكأن دوافع العملية المرتقبة قد ذهبت بها بعيداً عن الخيارات الوطنية.
وعلى الرغم من ذلك، فقد كان الانسجام في التحليل الذي عبرت عنه الأحزاب لمواطن القوة والضعف في أي اتفاق إنما هو مؤشر دلالي لا يخلو من مسئولية وتمسك بالثوابت التي سيتوقف عليها نجاح أي اتفاق.
ولا يجب أن يتوقف الأمر هنا، بل لا بد من تلافي ما قد يفهم بأنه حالة من استقواء العامل الذاتي، المستَفَز بهذا الوضع المرتبك، على العامل الموضوعي الذي يتحرك وسط تعقيدات ومصاعب لا حصر لها.
لا شك أن الوضع لا يدل على أن الأمور قد انضبطت في مسارٍ من شأنه أن يفضي إلى اتفاق يحقق السلام الذي يتطلع إليه اليمنيون ويتناسب مع تضحياتهم، وهو ما يتطلب المزيد من التماسك والعمل المشترك لمنظومة القوى السياسية التي تمسكت ولا زالت تتمسك بالسلام الذي يقوم على إنهاء الانقلاب الذي تسبب في هذه الكارثة التي حلت باليمن.
*من صفحة الكاتب على الفيسبوك