زوجتي الحبيبة من مواليد "2 ديسمبر" تزوجتها في سبتمبر سنة 2017 وقررت أن أحتفي معها بعيد ميلادها الأول وهي تحت سقف بيتي.
رتبنا لعيد الميلاد.. حجزنا التورتة ونفخنا البالونات زي الجهال، وزينا جدران الديوان بكلمات الحب الوليد؛ بينما كنا نعيش في صنعاء والوضع السياسي كان مجعوث ومعصود ومشو حق حب ولا هو حق زماميط.
وجاء يوم "2 ديسمبر" من صباح الصبح في ذلك العام، بميلاد انتفاضة الزعيم صالح بينما كان يشعل المشاعر حماسة عبر شاشة التلفزيون في خطابه الموجه يومذاك ضد جماعة الحوثيين الانقلابية.
والتهبنا حماسة خلفه وانشغلنا بمتابعة التلفاز نراقب ميلاد الحدث الأعظم بينما كنا (رمانة وأنا) ننتظر حلول المساء بشغف لنطفئ شموع ميلادها تحت سقف الزماميط، ولكن الحظ كان دبور.
تطورت الأحداث يومها قبل حلول المغرب واحنا ساكنين في عطان، ودخل علينا ظلام الليل مسرجا بأعيرة نارية سمعناها تنطلق بكثافة من أسلحة مختلفة على مقربة بسيطة من بيت الزماميط.
وتفسقلين ركب أمي وامتلطين بطون زوجتي وساخت نفسي من فجيعتهن الثنتين.
وحسيت لحظتها أن الموت يدق باب البيت واحنا متخبين ندور أين منه نسير.
قالت أمي ذيك الساع:
- ما بللا وإلا نقوم نشل أنفسنا ونهرب من البيت فيسع قبلما نقع ضحية عيار طائش يطير بتورتة عيد الميلاد من عيون ابتنا.
أمي طبعا افتجعت على نفسها وفلتت لنا البيت وسارت تتخبى في بيت خالتي بعيدا عن مرمى تبادل إطلاق النار في الحي القريب من ديار الزعيم.
وبقيت أنا وزوجتي والتورتة والعصير والزماميط المعلقة عرض سقف الديوان وأطفأنا شموع الميلاد والقوارح مستمرة ولم تهتز لنا شعرة.
كنا متمسكين بحبل الحب وبحبل الأمل الكبير الذي أشعله الزعيم في نفوس الناس الكارهين للحوثي؛ وعملت نفسي رومانسي قوي وقلت لها واحنا نطفي الشمع:
- عيونك الفرحانة هذي عمرها ما باتعرف الدموع معي.
المهم كنت "رشدي اباظه" يومها..
وبعد يومين وقد أخبار مقتل الزعيم تتداول في كل مواقع التواصل كانت عيون زوجتي قد تحولت إلى تنجرة غساول من كثرة البكاء على الزعيم.
وعندما تأكد لها خبر مقتله اكترعت التنجرة كلها دفعة واحدة فوق رأسي؛ بينما كانت تتابع الأخبار معي وكلما شافت للزعيم صورة في أي موقع يتضاعف دمعها أكثر وصوتها ينوح بكلمات حميمات تقولها بتكرار وهي تبكي:
- يووو ما اغلاك عليَّ.
انا إلى هاذيك الساع كنت أحسب أن مابو غالي إلا أنا وعاد إحنا عرسان ما لنا شهرين؛ لكن المصاب عظيم ويصعب فقدانه وكانت تبكيه بحرقة وكأنها تعرفه وكأنه ابوها أو أخوها أو أي عزيز من داخل البيت.
وانهار وعدي الأول لها "أن مابش دموع" بسرعة يومذاك قبل أن تجف دموع شمعة الميلاد لأن المصاب جلل والخسارة فادحة وتستحق البكاء.
وحتى أنا بكيت يومها.. بكيت لأن بكاء زوجتي البسيطة اللي مش مسيسة أصلاً؛ أثر بي وهز كياني بصورة صادقة وجدتها في مشاعر مواطنة يمنية تبكي رئيسها اللي والله ما هي عارفه عن أي شيء بالمطلق غير أنه رئيس البلاد.
وبكيت بمرارة لأني برحيل الزعيم صالح فقدت الأمان الذي كنت اتركى عليه وانا نازح في صنعاء.
سألت زوجتي يومها بينما كانت لا تزال تبكي تحت سقف زماميط عيلاد الميلاد وقلت لها:
- لو مت أنا بتبكي علي هكذا؟
قالت بجوادة وصدق:
- مت سعما مات علي عبدالله صالح وكل الناس عتبكي عليك سعما بكيت انا عليه وأكثر.
اييييه يا رمانة؛ منو يقدر يموت زي الزعيم علي عبدالله صالح، أنا أتحداه.
أما الذي يقدر يعيش في أذهان الناس ربعه وبس فأنا أتحداه وأتحدى أبوه.
* من صفحة الكاتب على الفيسبوك