فهمي محمد

فهمي محمد

تابعنى على

مخرجات الحوار وإلغاء المركزية السياسية للسلطة والثروة

Sunday 28 January 2024 الساعة 05:04 pm

يكاد أن لا يمر عقد زمني خالٍ من الصراع والاقتتال في اليمن، غير أن هذا الصراع السياسي والاقتتال العسكري لم يكن يوماً من الأيام على تولي مقاليد سلطة الدولة الحاكمة بالمفهوم السياسي الوطني، لأننا ببساطة شديدة لا نمتلك هذه الدولة الوطنية التي تحول البلاد إلى وطن والإنسان إلى مواطن وهذه هي مشكلتنا الحقيقية.

على هذا الأساس ظلت السلطة الحاكمة في اليمن مند الثورة الأولى سلطة سياسية (سلطة القوة والغلبة) ممانعة ومعارضة لمسألة حضور الدولة الوطنية الديمقراطية، وهي بهذا المعنى كانت وما تزال حتى اليوم تشكل جذر المشكلة اليمنية وليس حلاً لها. 

إذن مدخل الحلول في اليمن كان وسيظل مع ما نحن عليه اليوم مدخلا سياسيا اجتماعيا، تتعلق تفاصيله بأسئلة النظام السياسي وعن السلطة الحاكمة وتوجهها السياسي ومخرجاتها الوطنية وقاعدتها الاجتماعية، وقرارها السيادي وشرعية الحاكم على رأس هذه السلطة، ناهيك عن ارتباط هذه التفاصيل السياسية بمشكلة الاستئثار بالثروة وما ينتج عنها من الإثراء بلا سبب.

غير أن هذه التفاصيل السياسية بقدر ما هي متعلقة بخصوصية المشكلة اليمنية بقدر ما تؤكد ضرورة أن ينتقل اليمنيون من سلطة القوة والغلبة إلى سلطة الدولة الوطنية الديمقراطية التي تمثل إرادة الشعب اليمني لأن الدولة كما يقول المفكر عبدالله العروي هي كيان اصطناعي اخترعه الإنسان في خدمته.

وإذا ما أدركنا بأن الدولة لا تعطى هبة من قبل الحكام بل تفرض عليهم بإرادة الشعوب وكفاحهم السياسي والاجتماعي، خصوصاً حين تنجح الشعوب في صناعة الفرصة التاريخية المواتية لفكرة التغيير والتقدم، على غرار ما تحقق لليمنيين على إثر ثورة الشباب 2011م، بحيث استطاع الفعل الثوري أن يجبر السلطة وحزبها الحاكم على الجلوس على طاولة الحوار مع كل المكونات السياسية اليمنية من أجل الوقوف الجاد والمسؤول على تفاصيل المشكلة اليمنية وإيجاد الحلول لها انطلاقاً من إرادة ورؤى كل المكونات السياسية اليمنية التي حضرت إلى مؤتمر الحوار الوطني الشامل وهي تدرك أنها معنية في الوقوف على المشكلة اليمنية والعمل على حلها بالمعنى الذي يؤدي إلى تحويل السلطة الحاكمة في اليمن إلى دولة واليمن إلى وطن.

لهذا نستطيع القول بأن مخرجات مؤتمر الحوار الوطني الشامل هي الوثيقة السياسية الوحيدة التي انعقدت في مناخ سياسي وثوري توافرت فيه الشروط الموضوعية للحوار السياسي بين اليمنيين، الأمر الذي مكن المتحاورين من مسألة الوقوف على جذر المشكلة اليمنية المتمثل في المركزية السياسية للسلطة والثروة في ظل غياب سلطة الدولة.

أولاً: توافر الشروط الموضوعية في مؤتمر الحوار الوطني 

1- انعقد مؤتمر الحوار الوطني الشامل على إثر ثورة أسقطت رأس النظام السياسي الذي كان يشكل عائقا أمام نجاح أي حوار وطني يتعلق بمشكلة السلطة والثروة، بالإضافة إلى أن الحوار انعقد في ظل إشراف وعم دولي. 

2- انعقد مؤتمر الحوار الوطني في ظل ظروف ومناخ سياسي خال من استعراض فائض القوة لدى كل طرف من الأطراف المتحاورة، فلم يأت طرف أو مكون سياسي إلى مؤتمر الحوار الوطني متسلحاً بسلطة الغلبة والقوة العسكرية في وجه الأطراف الأخرى، وهذا لم يحدث في تاريخ اليمنيين من قبل.

3- لم يتم استبعاد طرف سياسي أو حزب من المشاركة في مؤتمر الحوار الوطني، بل أتت كل الأطراف والمكونات السياسية إلى طاولة المفاوضات ولديها تصوراتها ورؤاها الخاصة المتعلقة بحل المشكلة اليمنية، الأمر الذي جعل مخرجات الحوار الوطني الشامل ليست مجرد تسوية سياسية تلبي حاجات الأطراف المتصارعة والمتقاتلة أو التي كانت تملك مراكز القوة العسكرية والنفوذ السياسي والمالي في الواقع، أو حتى طموح السلطة والمعارضة، بل هي مخرجات وطنية تلبي في الأساس تطلعات الشعب اليمني نحو تحقيق المستقبل الذي يجب أن يكون في اليمن وهي بهذا المعنى تعد سابقة في تاريخ اليمنيين.

4- اعتمد الحوار الوطني الشامل في إنتاج الحلول على قاعدة الشرعية التوافقية بين المكونات السياسية وليس الأغلبية العددية الأمر الذي جعل الأنا والآخر لأول مرة في تاريخ اليمنيين شركاء في الاقتدار السياسي والمسؤولية الوطنية تجاه المستقبل وهو ما ترجم عمليا في وثيقة مخرجات الحوار الوطني الشامل.

ثانياً: مخرجات مؤتمر الحوار الوطني وإلغاء المركزية السياسية للسلطة والثروة في اليمن 

وقف مؤتمر الحوار الوطني على جذور المشكلة اليمنية وعلى الحلول الناجعة لها، في ظل الاستفادة من الصراعات السياسية الماضية ومآلاتها الكارثية، وهو بهذا المعنى -يكون مؤتمر الحوار الوطني- قد انتصر في مخرجاته لفكرة التغيير "الجذرية" بالمعنى الذي يعني بأن اليمنيين في حال تمكنوا من تطبيق مخرجات الحوار الوطني يكونون قد نجحوا في صناعة الحدث التاريخي الذي سوف يحول سلطتهم السياسية الحاكمة (سلطة القوة والغلبة) إلى دولة وطنية ديمقراطية، ناهيك عن جعل الثروة منتجة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية.

1- المركزية السياسية للسلطة في اليمن 

نصت وثيقة مخرجات الحوار الوطني على تحويل اليمن من دولة بسيطة تحكمها سلطة مركزية إلى دولة اتحادية تحكمها اللا مركزية السياسية، وهذا يعني في المقام الأول إلغاء سلطة الاستحقاق التاريخي في اليمن أو سلطة المركز السياسي المقدس أو ما أسميه أنا في كتاباتي (دولة الجيوسياسية الزيدية) ومسألة القضاء على سلطة الاستحقاقات التاريخية اللاوطنية تأتي في صلب مخرجات الحوار الوطني كنتاج طبيعي لمنح الأقاليم والولايات سلطات سياسية تنفيذية وتشريعية في الدولة الاتحادية بموجب الدستور والقوانين.

صحيح أن الدولة الاتحادية لديها سلطة سياسية ممنوحة صلاحيات مركزية سيادية على المستوى الوطني، إلا أن طبيعة النظام السياسي الاتحادي في أي بلد لا يعطي هذه السلطة السيادية على المستوى الوطني القدرة على اختزال بنية السلطة السياسية من الأدنى إلى الأعلى أو حتى تأطيرها بقيم أو أنساق ثقافية تحدد عصبيتها السياسية أو الاجتماعية بإرادة الحاكم، بمعنى آخر لا يستطيع الحاكم تحديد هوية السلطة السياسية ومسألة الانتماء إليها بتوجه الثقافي أو فكره السياسي، لأن بنية النظام السياسي الاتحادي لا يقوم على أساس التعبئة المطلقة من الأدنى إلى الأعلى، بل على أساس الترابية (حكومة الولايات، حكومة الأقاليم، الحكومة المركزية أي السيادية) وهي تراتبية مؤسسات دستورية حاكمة وطنيا شبه مستقلة داخل بنية السلطة السياسية في الدولة الاتحادية. 

ما يعني في النتيجة النهائية أن أهمية مخرجات الحوار الوطني الشامل تأتي من أهمية الإجابة على سؤال الدولة الوطنية الديمقراطية القائل: إذا كانت الدولة كما يقول عنها بردوا مؤلف كتاب الدولة هي فكرة سياسية تدرك بالفكر وهي وجدت عمليا مع ظاهرة مؤسسة السلطة أي انتقال السلطة من حكم الفرد بشخصه إلى حكم المؤسسة (تحويل السلطة إلى وظيفة عامة والحاكم إلى موظف في خدمة المجتمع)، فإن النظام السياسي الاتحادي القائم بطبيعته السياسية والبنيوية على تراتبية السلطة السياسية ومؤسساتها وتوزيعها واستقلالها، هو النظام السياسي القادر على معالجة مشكلة السلطة واستحقاقها في اليمن، بل القادر على تحويلها إلى دولة وطنية رغما عن أنفها، ناهيك عن أن تكرار الانتخابات بخصوص السلطة التنفيذية والتشريعية في الولايات والاقاليم وعلى المستوى السيادي سوف يعمل على تأسيس سلطة الدولة الوطنية الديمقراطية على إرادة المواطن وثقافة الشعب السياسي وليس على إرادة وثقافة القوة والغلبة التي أسست السلطة وهويتها السياسية الحاكمة تاريخياً في اليمن.

2 - المركزية السياسية للثروة في اليمن

النظام السياسي الاتحادي الذي نصت عليه مخرجات الحوار الوطني الشامل يقوم في الأساس على مسألة التوزيع العادل للثروة بحيث يمنح الولايات والأقاليم حصة من ثرواتها تسخر في عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية في كل ولاية وإقليم وهذا بحد ذاته يلغي مركزية الثروة والتنمية المكثفة في عاصمة الدولة من دون باقي الولايات والأقاليم، كما أن النظام الاتحادي يكشف الأرقام الحقيقية للثروة عن طريق إطلاع حكومة الأقاليم والولايات على حجم الثروة وحصتها وتوزيعها. 

على سبيل المثال وليس الحصر، التوزيع اللا مركزي العائدات الثروة من نفط وغاز وغيرها في ظل دولة اتحادية في اليمن بحد ذاته سوف يخلق تنمية متوازنة ومتوازية في نفس الوقت ينعكس أثرها على مستوى الاقتصاد والصحة والتعليم في المستوى المحلي وعلى المستوى الوطني وليس كما كان عليه الحال من قبل في ظل التوزيع المركزي للثروة، حيث نجد مناطق تنتج الثروة دون عائد يذكر لأبنائها ومناطق تستغالها، ويكفي في ذلك نتائج المقارنة بين وضع التنمية في مأرب وشبوة وحضرموت المنتجات للنفط والغاز مع وضع التنمية في صنعاء العاصمة، في حين أن توزيع الثروة في الدولة الاتحادية التي تلغي المركزية السياسية للثروة قد تجعل من مأرب وشبوة أكثر نهضة واقتصادا وفرص عمل من صنعاء العاصمة.