أحمد نويهي

أحمد نويهي

تابعنى على

د. قاسم سلام.. وداعاً

Sunday 28 January 2024 الساعة 08:42 pm

غيّب الموت هذا النهار واحداً من السياسيين الذين أسهموا في صناعة تحولات اجتماعية على مستوى إقليمي ومحلي ودولي، أصبح باكراً عضو القيادة القومية لحزب البعث العربي الاشتراكي الأمين العام للحزب قطر اليمن. 

د. قاسم سلام سعيد، والذي عاد بشهادة الدكتوراه من الكويت زمن المد القومي ليتبوأ مقعد عضوية القيادة في بغداد التي عاش يزورها ويحجها طيلة سنوات حكم البعث العراق. 

عاش يؤلب القبيلة ويؤلف بينها والايدلوجيا، يؤدلج الشباب، وينظر للمستقبل والغد في إشارة لدورة البعث والإحياء التي قادتها حركة القوميين العرب منتصف الخمسينيات في بيروت التي شهدت ولادتها ومن خلالها انبثقت حركة التحرر العربية والتي امتدت لتشمل المحيط والإقليم من مكناس إلى فاس، ومن بغداد إلى تطوان، من برقة إلى البريقة، من المغرب العربي إلى الشرق الأوسط وشمال افريقيا كان البعث يجتاح البلدان حاملاً برنامج الدولة الوطنية وإن حمله العسكر عبر صناعة كثير من الانقلابات العسكرية السلمية والدموية احياناً. 

وصل البعث ليحكم القطر السوري والعراقي كما لو تناوبت دولة الخلافة بين دمشق وبغداد عهد السلف. 

كان البعث قد سطر برنامجا قوميا ليصبح نشيد القومية العربية وشعاره الذي استل من نخل العراق وشموخه شعاره الانتخابي على مستوى القطر اليمني في أول انتخابات علنية تشهدها اليمن بعد 22 مايو 90.

كان البعث قد انشق عن شقه لشقين فذهبت الخلافة بين بغداد ودمشق ليصبح الخلاف والاختلاف مثار اهتمام المانشيت وعنوان الغلاف. 

ذهبت الخلافة لتندثر بين الكوفة والبصرة وقد تشظت المذاهب وتعددت الفرق حين اضحت لقمة سهلة لحوزات "قُم" التي تسللت عبر العتبات المقدسة في النجف الأشرف لتعاود غير ما كانت لتناور عبر شط البصرة وتخوم الفاو في مواجهات مباشرة مع العراق يوم كان اسم العراق يكتب مقروناً بالعظيم. 

عاود د.قاسم سلام العاصمة صنعاء يؤسس ويؤصل لحزب تجذر عبر الحركة الوطنية التي اندلعت اربعينيات القرن الفارط.

فقد انتسب عدد من الضباط الأحرار للبعث عبر خلايا نشطت زمن الامتداد التحرري. 

ساهم الحزب في صناعة حالة تمدن إذ دفع بالاكاديمية د.بلقيس الحضراني كمرشح للبعث في دائرة باب القاع العام 93 أمام مرشح برتبة لواء متقاعد لحزب المؤتمر الحاكم آنذاك. 

بدت بلقيس بوجه مشرق تضع على رأسها مقرمة مَلمَل بربطة حميرية أصيلة فهي ابنة الشاعر الكبير إبراهيم الحضراني الثائر الذي انتسب للجبهة التي نازعت الإمامة الخلاص من براثن الجهل والعوز والفقر والمرض. 

انتشرت صورها الشخصية معززة بشعار حزب البعث الذي اختار النخلة شعاره الانتخابي. 

"ينطح الغيم شموخي وعلى جبهة الشمس بقايا مضربي أنا بعث عربي عربي."

وعلى الاتجاه الآخر من الصورة يشطح شعار الحزب الرئيس "أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة". 

عاش د. قاسم سلام حاضرا في مسرح الأحداث، فقد تولى الأمين العام المساعد للحزب الاستاذ عبدالرحمن مهيوب مناصب مهمة وهامة في وزارة السياحة ومجلس الترويج السياحي قبل أن تؤول الوزارة ليصبح قاسم سلام وزيرا لها في حكومة الوفاق التي جاءت ما بعد 11 فبراير 2011 وقد ذهب الحزب لينشق عن شقه شقين بعد أزمة أودت لتوسع هوة الخلاف بين انصار بغداد واشياع دمشق. 

صار الحزب حزبين وصار اتجاها قوميا والآخر عربيا. 

صارت للحزب قيادات وصحف تعددت من الجماهير إلى الإحياء. 

عاود د.قاسم سلام ليشكل حلقة وصل بين صنعاء وبغداد فترة حرب الخليج الأولى التي شهدت تفويج ألوية قتالية ابتعثها الرئيس علي عبدالله صالح للقتال ضداً للجمهورية الإيرانية وقد شاد اليمني المقاتل بالكلاشينكوف والمنجل والمطرقة فيما بعد معارك استمرت ثماني سنوات، شيدت صنعاء بوابة الفاو بالحجار التي حملتها الطائرة لتغدو على النمط الحِميري في مجابهة مباشرة مع فارس التي تراجعت منكسرة على شط العرب وقد صار شط الطرب من مضيق باب المندب إلى بوربا وبوبيان الكويتية التي مكنها قصر دسمان الأميري للعراق في مجابهة حرب المدن التي دشنها فيلق القدس عبر قصف بغداد ومدن أخرى. 

خاض د. قاسم سلام عبر تفويج الطلاب إلى العراق ليعود كثير اكاديميات اصبحت جزءاً من كادر الدولة والحزب لاحقاً. 

يغيب الموت الرجل وسط معمعة حرب تطحن الرحى للسنة التاسعة وقد آثر الصمت نتاج تعقيدات المشهد وانبعاج كرة النار ليحضر أقطاب الصراع الإقليمي بينما تصبح حقول البُن مسرحا للأحداث الأكثر دموية. 

يرحل بصمت وقد قضى على ذات الطريق رفاق دربه ومناضلو البعث بشقيه القومي والعربي وقد أدمى الخلاف ما تبقى بنسيج تهتك بفعل القطيعة وشغل الدوائر الاستخبارية بعد تفريغ وتفريخ الكتلة التاريخية لقوى البعث الرديكالية. 

ينسدل الستار دونما إرادة لكنها دورة البعث والإحياء تتناوب الدور بين جدلية البقاء والفناء.

يرحلون وفي قلوبهم غصة تتحشرج في الحلوق كما لو كانت تهفو لعناقات ولقاء ينعقد على عجل مع ثرى وتراب الوطن الذي عاشوا يرسمون خرائطه التي ما زالت تتنازعها الأطماع وقد عاد المستعمر السري يناوش الملاحة الدولية قرب مضيق باب المندب وبذلك التحرش اللامسئول يستدعي القوى العالمية لتعاود البسط والسيطرة على مياه البلد الإقليمية في البحر وأعالي البحار. 

من الفاو إلى شط العرب إلى بحر العرب لا تزال فارس تصهل كما لو تشعل البر والبحر والسماء لتوقد مخازن الطائفية ونوافير المذهب لهثاً خلف باب الذهب. 

الخلود لروح هذا الذى مضى وترك في مذكراته ما يومض لشيء ما كان وربما سيكون...