أحمد عقيل باراس

أحمد عقيل باراس

تابعنى على

هل تغرق أمريكا في مستنقع اليمن؟

Thursday 01 February 2024 الساعة 09:33 am

لا يبدو أن الأمور ستتوقف عند الضربات الجوية التي تشنها أمريكا ضد أهداف ومواقع محتملة للحوثيين في صنعاء وفي غيرها من المناطق اليمنية تعتبرها أمريكا مسؤولة عن شن عمليات عسكرية تهدد خطوط الملاحة الدولية وتهدد سفنها الحربية في البحرين الأحمر والعربي وباب المندب، فمثل هذه الضربات مهما كان عنفها أو تركيزها أو دقتها لا يمكن لها بأي حال من الأحوال أن تعمل على تحييد قوة الحوثيين أو تردعهم عن الاستمرار فيما هم عازمون على تحقيقه من وراء شنهم لكل هذه العمليات العسكرية التي تستهدف في مجملها عرقلة خطوط الملاحة الدولية.. لذا لن يصبح أمام القوات الأمريكية في نهاية المطاف إذا ما أرادت تأمين هذه الخطوط الملاحية الدولية إلا التدخل العسكري المباشر والنزول على الأرض للوصول إلى هذه المواقع التي تنطلق منها تلك المسيرات والصواريخ للحوثيين وتحطيمها وهو الشيء الذي نعتقد أن الحوثيين يسعون إلى تحقيقه ويهدفون إليه من وراء أنشطتهم العدائية تلك لاستدراج الولايات المتحدة الأمريكية وتوريطها بعمل عسكري شامل في اليمن.

وبعيداً عن التأويلات ونظريات المؤامرة فإننا نعتقد أن قرار الحوثيين تهديدهم لخطوط الملاحة الدولية البحرية التي تمر باليمن لم يكن قراراً يمنياً خالصاً ولا حتى قراراً يمنياً إيرانياً خالصين كما يعتقد البعض وإنما نعتقد اعتقادا اقرب إلى اليقين ان القرار بالحرب يتجاوز اليمن وايران الى ما هو أبعد من ذلك بكثير، فمعظم المعطيات تؤكد ان القرار أو هذا التوجه تم إما بمشاركة مباشرة أو غير مباشرة من قوى دولية واقليمية مناوئة للسياسة الأمريكية ولمشروعها في المنطقة والعالم أو بالتماهي معها (أي مع هذه القوى المناوئة لأمريكا) ويدخل ضمن اطار الصراع العالمي بين الدول الكبرى، وهذا ما يجعل الامور تصبح اكثر تعقيداً وتنذر بما هو أسوأ، فالزج باليمن في اتون صراع وحروب ذات طابع دولي كما يسعى الحوثيون جاهدين بطريقة أو بأخرى لان يستدرجوا أمريكا إليها  سيكون له نتائج كارثية على الجميع بمن فيها أمريكا نفسها الى جانب اليمن ولن ينجو منه لا الشمال ولا الجنوب بل سيكون تأثيره من حيث السوء بنفس القدر على الجانبين وان بدرجات مختلفة، فقد وصلت الأمور اليوم عند نقطة اللا عودة، فلا أمريكا تستطيع ترك الحوثيين وشأنهم وتغادر هذه الممرات البحرية ولا الحوثيون يستطيعون وقف هجماتهم قبل أن توقف إسرائيل عدوانها على غزة، وتبقى مسألة اندلاع حرب شاملة ودخول أمريكا المستنقع اليمني مسألة وقت لا أكثر.

لقد بتنا جميعاً اليوم أكثر وعياً وادراكاً من أي وقت مضى لما يجري حولنا من أحداث، لذا لا يمكن النظر لما يجري عندنا الآن من قرع لطبول الحرب ومن تحشيد في البحر الاحمر وباب المندب بمعزل عما جرى ويجري في العالم من حولنا من حروب وصراعات في اطار التنافس الدولي بين القوى الكبرى سواء تلك الصراعات التي حدثت في الماضي أو في الوقت الحاضر، فمثلما ورطت أمريكا مؤخراً روسيا في أوكرانيا وقبلها ورط السوفييت أمريكا في فيتنام وورط الامريكان الروس في افغانستان فلا نستبعد ان تكون اليمن اليوم مسرحا لسلسلة تصفية الحسابات تلك بين هذه القوى وتكون بمثابة فخ لتوريط امريكا في المستنقع اليمني الذي تدفع إليه امريكا دفعاً ونرى ان لا مناص لامريكا من الدخول إليه كرهاً أو طوعاً وحتى إذا كان التدخل العسكري الامريكي المباشر في اليمن يبدو على الأقل حالياً مؤجلا لضعف ولعدم قدرة حلفائها السابقين من القوى اليمنية التقليدية القديمة وبالاخص التيار الديني الاخواني الذي لا تثق الا فيه ولا ترغب واشنطن بتغييره برغم وجود البديل القوي من القوى الاخرى التي ظهرت بعد حرب 2015م والتي اصبح لها اليد الطولى حالياً في الجنوب وفي المخا فإن هذا لا يعني زوال شبح الحرب الشاملة والتدخل الامريكي المباشر في اليمن بل بالعكس تماماً فيوماً بعد يوم نزداد يقيناً ان الامور ستصل عند نقطة محددة وستنفجر بعدها الاوضاع وان لم تنفجر فربما يتمكن الحوثيون من مباغتة أمريكا وكسر شرفها العسكري في البحر الاحمر او باب المندب بمساعدة قوى كبرى مناوئة لها، وعندها لن يكون امام الامريكيين للحفاظ على كبريائهم غير تفجير الاوضاع عسكرياً والتخلي عن حذرهم والدخول إلى المستنقع اليمني وهو الشيء الذي لا نتمناه، فالحروب تنتج أسوأ ما في الإنسان وتظهر أسوأ ما في البلدان، والحرب دائماً لا يعقبها إلا حرب، ودورة الدم لا تنتهي الا بدورة دم جديدة.

إن أمريكا تعلم جيدا بما يمثله الحوثيون من خطر حقيقي على خطوط الملاحة البحرية الدولية ويقلقها كثيراً امكانية تنفيذ الحوثيين لتهديداتهم باستهداف سفنها الحربية وتأخذ هذه التهديدات مأخذ الجد، وفي قرارة نفسها تتمنى لو ان الحوثيين يوقفون هجماتهم في البحر الأحمر وباب المندب من تلقاء أنفسهم  وينهون هذا الكابوس الذي آخذ يؤرق العالم ويصيب اقتصاديات الدول المطلة عليه في مقتل، كما انها تعلم بصعوبة أي عمل عسكري داخل اليمن، غير ان مشكلة امريكا انها وبرغم العداء الواضح والتشدد الذي تبديه تجاه الحوثيين فانها تشترط ان يكون البديل عنهم قواها التقليدية الاخوانية القديمة فهي لا ترغب بأي قوى أخرى تأتي من خارج هذه المنظومة بل وترفض التعامل معها او حتى مجرد تقبلها باعتبار ذلك فكرة غير صائبة وتدخل في باب الموبقات حيث يأتي هذا بالنسبة لها كخيار استراتيجي.

لذا ونتيجة لضعف تيار الإخوان في اليمن حالياً وعدم مقدرته على المواجهة ليكون رأس الحربة في أي تدخل عسكري أمريكي محتمل قادم في اليمن يستهدف الحوثيين فإن أمريكا وبدلا من الاعتماد على القوى الجديدة التي ظهرت تتجنب قدر المستطاع وتتأنى حتى الآن في التدخل العسكري المباشر وتكتفي بالضربات الجوية لتعطي مزيداً من الوقت لحلفائها ليتقووا أو تتمكن هي من إجبار الحوثي على وقف عملياته البحرية والقبول بمشاركته للسلطة واقتسامها فيما بينه وبين حلفائها أو على أقل تقدير تجبر القوى الجديدة التي ظهرت وبالاخص المجلس الانتقالي الجنوبي والمقاومة الوطنية اليمنية على العمل تحت كنف الإخوان وتحت مظلتهم، وهذا ما ترفضه تماماً تلك القوى ولا تقبل به إطلاقاً تحت أي ظرف من الظروف او سبب من الاسباب ما يجعل الباب مفتوحاً أمام جميع الاحتمالات واهمها غرق الولايات المتحدة الامريكية في مياه البحر الأحمر ورمال الساحل الغربي وتهامة وابتلاع سهول ووديان وجبال اليمن لجنودها، فاليمن سيكون بمثابة المستنقع الذي لن تجد فيه قواتها فرصة للخروج منه إذا ما فكرت أن تقوم بالمهمة لوحدها أو بالاعتماد على تلك القوى التقليدية الهزيلة، فبدون الاعتماد على القوى المحلية القوية والقادرة على مواجهة الحوثيين يصبح التحدث عن اي انتصار في اليمن لأمريكا أو لغيرها مضيعة للوقت.

من صفحة الكاتب على الفيسبوك